الرئيسية » كتاب وآراء » أكرم إمام أوغلو… ميلاد جديد

أكرم إمام أوغلو… ميلاد جديد

رانا ابو جمعة

شخصية أكرم إمام أوغلو تحظى باهتمام كبير على صعيد دولي. وأبسط دليل على ذلك مسارعة واشنطن، عبر خارجيتها، إلى انتقاد حكم حبسه بصفته جائراً، إذ إنه يتعارض مع احترام حقوق الإنسان.

 

في الـ 31 من آذار/مارس 1998، وجّهت محكمة ديار بكر إلى رئيس بلدية إسطنبول آنذاك، رجب طيب إردوغان، تهمة إثارة النعرات الدينية والعرقية والتمييز والكراهية بين أفراد المجتمع. أمّا السبب فكان على خلفية إلقائه أبياتاً من الشعر في مدينة سيرت في 5 كانون الأول/ديسمبر 1997، تقول: “مآذننا حراب، قبابنا خوذ، الجوامع ثكناتنا، المؤمنون جنودنا”.

 

يومذاك، حكمت المحكمة بحبس إردوغان 10 أشهر ومنعته من الترشح للانتخابات، منفرداً أو مع أي حزب آخر. نجح في تأجيل دخول السجن مرتين، لكنه عاد ودخله في 25 آذار/مارس 1999، ومكث فيه 4 أشهر حتى أُطلق سراحه في 24 تموز/يوليو 1999.

 

اليوم، يعيد إردوغان التاريخ نفسه مع خصمه المحتمل والأقوى في الانتخابات الرئاسية، أكرم إمام أوغلو، بحيث حكمت المحكمة الابتدائية السابعة في الأناضول بسَجنه عامين و7 أشهر و15 يوماً، والسبب هو “إهانة مسؤولين”. في الواقع، تعود القضية إلى 4 أعوام إلى الوراء، حين فاز إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول، وبعد إلغاء النتيجة من جانب المجلس الأعلى للانتخابات. حينذاك، قال إمام أوغلو “إن الذين ألغوا الانتخابات في 31 آذار/مارس هم أغبياء”.

 

يقول إمام أوغلو إن المقصود بكلامه كان وزير الداخلية، سليمان صويلو، الذي كان وصف إمام أوغلو بالوصف ذاته، لكن الضرورات السياسية أخذته في غير اتجاه، فعُدّ إهانة لأعضاء المجلس الأعلى للانتخابات.

 

وبصرف النظر عن المقصود بكلام أوغلو، فشتّان بين تصريح أيديولوجي إسلامي في دولة تتباهى بعلمانيتها وتصريح سياسي نحن معرّضون لسماعه كل يوم في ميدان السياسة.

 

لكنّ هناك من يقول إن الأهم من الحكم بالسَّجن هو منعه من ممارسة السياسة، وهو حُكم مشابه لقرار محكمة الاستئناف العليا بحق واحدة من أفراد حزب الشعب الجمهوري أيضاً، وهي جنان كفتانجي أوغلو (يقال إنها أدّت دوراً مهماً في فوز إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول)، بحيث حُكم عليها بالسَّجن أكثر من 4 أعوام على خلفية إهانتها الرئيس التركي منذ أكثر من 10 أعوام.

كفتانجي أوغلو، التي عدّت القرار وقتذاك سياسياً، وليس قضائياً، سارعت إلى مؤازرة إمام أوغلو في تغريدة في “تويتر”، متوجهة إلى الرئيس إردوغان، من دون تسميته، بالقول إن “البلطجة تزيد في العزيمة والإيمان والشجاعة. لم تتمكن من التغلب على إمام أوغلو في صناديق الاقتراع، ولن تتمكّن اليوم من هزيمته عبر تسلّطك”.

 

ومع اقتراب موعد الانتخابات، يميل الرئيس إردوغان إلى التباهي بلعبه في موقع الهجوم منذ صِغَره. فبعد الحملة المركَّزة على كمال كليتشدار أوغلو وقضية الحجاب، ها هو ينتقل إلى خصم قديم جديد، هو أكرم إمام أوغلو. لكنّ الهجوم على الأخير لا يشبه الهجوم على كليتشدار أوغلو. لماذا؟

 

أولاً: يُعَدّ أكرم إمام أوغلو شخصية كاريزماتية ناجحة وصاعدة، لم تعرف الإخفاقات السياسية حتى الساعة، فضلاً عن انتمائه إلى جيل الشباب، مع ما يعنيه ذلك من أمل للمواطن التركي، وربما هذا ما يجعله يظهر في استطلاعات الرأي منافساً قوياً للرئيس إردوغان نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

 

ثانياً: الحكم – الاستهداف لا ينال من شخصه فقط، وإنما يستهدف أكثر من 4 ملايين ناخب في إسطنبول، اختاروا إمام أوغلو، وليس مرشح حزب العدالة والتنمية الوازن بن علي يلدريم.

 

ثالثاً: يُعَدّ إمام أوغلو خطيباً جيداً تصالحياً لا صدامياً، في إمكانه أن يحظى بتسمية طاولة الستة المعارضة كمرشحها للانتخابات الرئاسية، مع ما يعنيه ذلك من شحذ للهمم، وبالتالي العودة إلى الساحات بقضية تتعلق بنظام الدولة. وهنا، نذكّر بأن إمام أوغلو كان حضر صلاة الغائب على أرواح ضحايا هجوم Christchurch في نيوزيلندا، وهذا يُعَدّ تمايزاً لشخص ينضوي في حزب الشعب الجمهوري العلماني.

 

رابعاً: نحن أمام شخصية تحظى باهتمام كبير على صعيد دولي. وأبسط دليل على ذلك مسارعة واشنطن، عبر خارجيتها، إلى انتقاد الحكم بصفته جائراً، إذ إنه يتعارض مع احترام حقوق الإنسان. ولم تكتفِ بذلك، إذ إنها عبّرت عن قلقها البالغ إزاء استمرار توجيه الاتهامات إلى المجتمع المدني والإعلام والقادة السياسيين ورجال الأعمال في تركيا، واحتجازهم الطويل قبل المحاكمات.

 

من الواضح أن مستوى المواجهة السياسية بين الرئيس إردوغان وحزبه من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، انتقل إلى مستوى آخر، هو أقرب إلى معارك كسر العظم، فقد يكون رئيس حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرطاش، أُولى ضحايا حروب الإلغاء القضائية، لكنّ أكرم إمام أغلو لن يكون الأخير بالتأكيد. كما أن لغة التهدئة، التي سادت قبل ساعات من احتفال “قرن تركيا” وخلاله، على لسان كل من الرئيس إردوغان وحزبه، يبدو أنها تبخّرت بالكامل.

 

يقول الكاتب في صحيفة “جمهورييت”، مصطفى بالباي، إن الحكومة ربّما تستعد لمناخ من الخوف، مضيفاً أن الناخب عادة ما يذهب إلى الانتخابات بدوافع ثلاثة: إمّا الأمل، وإمّا الغضب، وإمّا الخوف. وبما أن الحكومة أفقدت المواطن التركي الأمل، وفشلت في تحريضه على المعارضة، بتهمه دعمها الإرهاب، فها هي اليوم تضعه أمام خيار الخوف من البقاء أو عدمه. فالقضاء لم يعد هدفه بسط العدالة، وإنما نشر الخوف.

 

وهنا، نعود إلى الحكم بالسَّجن على إردوغان عام 1998. يومها، قال إردوغان، أمام الآلاف من أنصاره، في طوزلا في إسطنبول، إن قرار سَجنه سيكون “ميلاداً جديداً”. فهل سيسير الرجل العنيد، ابن البحر الأسود، أكرم إمام أوغلو، في المسار نفسه… ويعلن ولادة جديدة في سارتش هانه؟!

 

سيرياهوم نيوز1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إن شانئكم هو الأبتر….

    باسل علي الخطيب   لاتهنوا…. هذه الآية هذا مقامها وهذا زمانها….   يجافيني النوم، يجافيني وأكاد اسمع الأرض والسماء تضجان.. حتى عندما استشهد ...