| فراس القاضي
حديثنا التالي لن يقتصر على أنه حتماً في المستقبل القريب، لا بد أن مكاناً بحثياً ما، أو جامعة ما، سيتحدثون عن التجربة السورية فيما يسمى جمركة الموبايلات، وسيفردون فصولاً ليس عن تقاضي ضريبة مرتفعة جداً جداً على سلعة لا ننتجها وخدمة لا نقدمها، بل أيضاً عن زيادة هذه الضريبة على السلعة التي لا ننتجها والخدمة التي لا نقدمها كل فترة، فهناك حديث أهم في عمق الغاية مما يجري، ومن هذا التوحش في الجباية.
ألف باء التجارة والاستثمار، هو أنك إن أردت زيادة مرابحك، فالطريقة الأسرع والأنجع، هي تخفيض سعر السلعة أو الخدمة، طبعاً الحديث هنا عن السلعة التي تنتجها وتدفع ثمن موادها الأولية وأجور عمال إنتاجها وكل ما يتعلق بها، فما بالك بسلعة لا تعرف عنها شيئاً، يتم تخفيض السعر بحيث يصبح بمقدور الجميع، أو الأغلبية على الأقل شراؤها والاستفادة منها، وهذه الحيلة أو الطريقة ليست اختراعاً جديداً، بل قديمة قدم تاريخ التجارة، فكيف ستربح الحكومة، وتستفيد خزينة الدولة إن حدث العكس؟ أي إن أحجم الناس عن دفع ثمن سلعة أو خدمة بسبب ارتفاعها الخيالي؟ من الخاسر في هذه الحالة؟ ومهما كانت نسبة القادرين على الدفع، فهل سيعوضون مرابح ما ستدفعه الأغلبية العظمى؟
ألف باء فرض الغرامات والضرائب، هو ألا تتسبب بتعطل الحياة الاقتصادية، أما هنا، فهي قد تتسبب بتعطل الحياة بشكل عام، وذلك لأن الهاتف الذكي – الذي لا يقل سعر أي نوع متوسط منه عن المليون ونصف المليون ليرة – لم يعد رفاهية، ولا كماليات، بل ضرورة شديدة جداً، وذلك لأن الحكومة ذاتها التي ترفع الضرائب على أجهزة الموبايل الواردة من الخارج كهدايا للناس، والتي – وبشكل طبيعي – ستتسبب برفع أسعار الأجهزة في السوق الداخلية أيضاً، هي التي ربطت حياة المواطن السوري كاملة بالهاتف الذكي عبر تطبيق (وين) الذي منه نأكل ونشرب ونحصل على الغاز والمحروقات وكل شيء.
ألف باء الإقناع، هو أن تقدم لمن تريد تحصيل ضريبة، كبيرة كانت أم صغيرة، منه، شرحاً مقنعاً عن سبب فرضها أساساً، خاصة إن كانت غريبة وعجيبة وغير مبررة وغير مسبوقة، ثم تعريفه على الغاية الاستثنائية التي أجبرت فارضيها على اتخاذ مثل هذا القرار العجائبي، ثم إلى أين ستذهب هذه الضريبة، وكيف سيستفيد هو شخصياً منها، ليطمئن بأن ما دفعه هنا سيعود عليه هناك، لأن ما سبق، قد، وأقول قد، يدفعه للتفكير بإيجاد طريقة ما ليدفعها، وكل ما سبق لم يحصل حتى اللحظة.
ألف باء فرض الضرائب، هو أن تكون أساساً كجهة مانحة للدخل الشهري، على علم بأن ما تعطيه لهذه الشريحة أو تلك، يسمح لهم بدفع الضريبة التي تريدها منهم، أما أن تعطي دخلاً لا يتجاوز 150 ألف ليرة بأفضل أحواله، وتطلب ممن تعطيهم هذا الدخل دفع عشرة أضعافه كضريبة لحمله جهاز موبايل، فحتماً أنت الخاسر.
ألف باء تمرير ما يصعب تمريره، هو تقديم ميزات إضافية، بحيث أن من سيدفع كل هذه الضريبة، سيحاول إقناع نفسه بأن ما دفعه ميّزه بكذا وكذا، أما أن تفرض ضريبة خيالية ليحصل على خدمة متاحة للجميع، فحتماً لن يتشجع حتى على التفكير بدفعها.
ألف باء الحرص على الاقتصاد، هو ألا تدفع الناس لارتكاب المخالفات للتهرب مما تفرضه عليهم، وبالتالي ذهاب ما يدفعوه لاقتصاد الظل وليس إلى خزينة الدولة، واليوم بدأت تتسع تجارة ما يعرف بـ(ضرب الرقم السري للجهاز)، والتي صار القادرون عليها يتقاضون مبالغ جيدة في سبيل الهروب من الجمركة.
ألف باء الوجدان، هو أن تسمح لفقير وصلته هدية من أخ أو ابن أو صديق أو قريب، أن يفرح ولو لمرة في حياته بامتلاك شيء جميل وجديد، ويشعر ولو لمرة في حياته بأنه مثل البقية.
ألف باء العدل، هو أن تقتدي – على الأقل – بتلك المقولة الجميلة: إني لأستحي أن أظلم من لا يجد علي ناصراً إلا الله.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن