لعل أهم عواقب الأزمة الأوكرانية الراهنة، بالنسبة للبلدان العربية على وجه التحديد، سوف تكون أزمة غذاء عالمية، أو بالأحرى مجاعة.
لقد خلقت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، من خلال سياساتهما المالية غير المسؤولة، وإصدار النقود غير المغطاة، خللاً هائلاً ما بين كمية البضائع في العالم ومقدار الدولار واليورو والجنيه الإسترليني. ونتيجة لذلك، ترتفع الأسعار في جميع أنحاء العالم باضطراد، بما في ذلك أسعار البنزين والغاز والمواد الغذائية. وفي ظل سيناريو القصور الذاتي، فإن علينا أن نقترب من التضخم العالمي المفرط وانهيار الاقتصاد العالمي في غضون عامين تقريباً.
وكانت المصانع الكيماوية التي تنتج الأسمدة الزراعية قد بدأت فعلياً بالإغلاق الخريف الماضي في أوروبا بسبب ارتفاع أسعار الغاز، وهو ما سيؤدي، بطبيعة الحال، إلى نقص في الأسمدة هذا الربيع، وبالتالي إلى ارتفاع أسعارها، وإفلاس عدد من منتجي المواد الغذائية. الأمر الذي سيخفض الإنتاج العالمي من الحبوب والمواد الغذائية الأخرى انخفاضاً حاداً هذا العام.
وحتى بدون الأزمة الأوكرانية في العام 2022، سيواجه العالم ارتفاعاً هائلاً في أسعار المواد الغذائية. يأتي ذلك على خلفية تفاقم حاد متوقع للوضع السياسي الداخلي للدول العربية، أيضاً بدون تأثير الأزمة الأوكرانية.
أما الآن، فيبدو أن الدول العربية على أعتاب كارثة غذائية.
تعتبر روسيا وأوكرانيا الموردين الرئيسيين للحبوب الرخيصة للدول العربية. فكلا الدولتين تصدران ما مجموعه 29% من الصادرات العالمية للقمح و19% من الذرة، و80% من زيت عباد الشمس. ويبدو أن أوكرانيا، بناء على أوامر من واشنطن، تعتزم الهجوم على جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، اللتين اعترفت بهما روسيا مؤخراً. وعلى الأرجح أن روسيا سوف تضطر إلى الدفاع عنهما، لتصبح أوكرانيا حينها ساحة للقتال هذا العام. أضف إلى ذلك أن الزراعة الأوكرانية ستعاني بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة والنقص المحتمل في وقود الديزل والجرارات والحصادات. باختصار، ستنخفض صادرات الحبوب الأوكرانية هذا العام بشكل كبير، أو قد تتوقف تماماً.
لن تواجه روسيا أي مشكلات في إنتاج الأسمدة والحبوب. ومع ذلك، فإن العقوبات الغربية المحتملة قد تعرقل تجارة روسيا مع دول ثالثة، حيث تصدر روسيا 70% من قمحها إلى الدول العربية. وإضافة إلى استحالة التسويات بالدولار واليورو، فمن المرجح أن تواجه حكومات الدول العربية ضغوطاً من الولايات المتحدة الأمريكية لوقف التجارة مع روسيا.
علاوة على ذلك، فإن التضخم العالمي وتشديد السياسة المالية من قبل الغرب سيجعل القروض أكثر تكلفة وأقل إتاحة، ما يعني أن عدداً من الدول العربية سوف تواجه أزمات في العملة والديون. وستضطر الحكومات إلى التخلي عن، أو على الأقل خفض الدعم على البنزين والمواد الغذائية المستوردة. وبشكل عام، قد يواجه بعضها مصير لبنان هذا العام.
باختصار، فمن وجهة نظري المتواضعة، أرى أن أسعار المواد الغذائية في الدول العربية يمكن أن ترتفع بعدة أضعاف!
تعتبر الدول العربية غير النفطية من بين أكثر الدول ضعفاً اقتصادياً في العالم.
لهذا أنصح كل أسرة عربية بتخزين الأطعمة الأساسية والحبوب والطحين وما غير ذلك لمدة عام على الأقل، ويفضل أكثر.
وكذلك يُنصح بالتخلص على وجه السرعة من الدولارات واليورو في صندوق المدخرات. فهذه العملات آخذة في الانخفاض بسرعة فعلياً، حيث بلغ التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية زهاء 7.5% في شهر يناير الماضي، وفي أوروبا 5.1%، وتستمر عجلته في التسارع. وبالنظر إلى الأزمة الأوكرانية، فسوف تتجاوز تلك النسبة 10% في الربيع المقبل.
وتلك ليست سوى البداية، فإذا فرض الغرب عقوبات قصوى على روسيا، بالإضافة إلى أزمة الغذاء في العالم، سوف تكون هناك كذلك أزمة طاقة. سوف يزداد، على أثرها، التضخم في الغرب عدة أضعاف، وفي غضون عام، سيتحول ذلك التضخم إلى تضخم مفرط، كما هو الحال في لبنان، وحينها سوف يستمر الدولار واليورو والجنيه الإسترليني كل شهر في الانخفاض إلى نصف قيمته التي كان عليها في الشهر الماضي.
في رأيي أن الذهب والفضة وحدهما يمكن أن يمثلا ملاذات آمنة للادخار. فقريباً لن تصلح الدولارات واليورو والجنيه الإسترليني سوى كأوراق لتغليف الحلوى الملوّنة، التي يلعب بها الأطفال في الشارع.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم