آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » أما آن للقطاع العام أن يبلغ سن الرشد؟

أما آن للقطاع العام أن يبلغ سن الرشد؟

 

 

علي عبود

 

أعجبني تساؤل وزير الشؤون الاجتماعية والعمل لؤي المنجد: ألا يجب أن تفطم الدولة رضيعها؟

وقد طرح الوزير السؤال في سياق المقترحات المقدمة في إطار السوق الاجتماعي، وكنا نتمنى أن يطرح السؤال الأكثر أهمية وهو: أما أن للقطاع العام أن يبلغ سن الرشد كي يتحرر من القبضة الفولاذية للجهات الوصائية؟!

إذا كان الوزير يقصد بـ “الفطام” التوقف عن تقديم الدعم للناس وخاصة لمن يتقاضون أجرا لايكفي لأكثر من ثلاثة أيام، فهذا أمر جيد، لأن الأم عندما تفطم رضيعها لا تتخلى عنه، وإنما توفر له المزيد من مستلزمات الكساء والطعام، وتبقى ترعاه حتى يدخل سوق العمل، فهل يعني توقف الدولة عن تقديم الدعم لرعاياها انها ستؤمن لهم دخلا بموجب الدستور يكفي للمستلزمات الأساسية لمتغيرات الحياة المعيشية؟.

ومهما كان الدعم الاجتماعي أساسيا مثل مجانية التعليم والطبابة، وهما ليسا حكرا على سورية ، فإن الأكثر أهمية هو ان تعلن الحكومة أن القطاع العام بلغ سن الرشد، ولم يعد بحاجة إلى وصاية الحكومة، فتصدر تشريعا متكاملا استنادا إلى مقترحات لجان التطوير والإصلاح المتعاقبة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، بما يتيح منح شركاته الإستقلال المالي والإداري، والأهم تحويله إلى شركات مساهمة ومتضامنة، بدلا من تسليمها إلى حيتان المال باسم “التشاركية” التي هي واحدة من أساليب الخصخصة الحديثة!

أن تحرير القطاع العام من وصاية الحكومة، وتحديدا من وصاية “المتنفذين” المعرقلين لإصلاحه وتحديثة إلا بأسلوب المنافع المتبادلة مع حيتان المال، يعني منح العاملين بأجر دخلاً يناسب مستوى المعيشة السائد، ويتيح لصغار المدخرين الإكتتاب على أسهم فيه ستحسّن وضعهم المادي، وبالمقابل ستتمكن إدارات شركات القطاع العام المساهمة من تأمين التمويل اللازم لتجديد الخطوط الإنتاجية بما يتيح تصنيع سلع كافية للسوق المحلية مع فائض كبير ومنافس للتصدير!

أن تحرير القطاع العام من قبضة الجهات الوصائية ومن قبضة “المتنفذين” ينسجم تماما مع دعوات تقليص تدخل الدولة في الاقتصاد، مع فارق إن الضرائب التي ستحصلها من أرباحه ستكون أكبر من الأموال التي تجبيها وزارة المالية من منشآت القطاع العام باسم “الفوائض”!

مايثير الريبة حول الهدف الرئيسي المتداول حول دور الدولة الجديد هو تخليها عن الدعم الاجتماعي، وكأنّ سورية الدولة الوحيدة التي تقدم الدعم لرعاياها، وطرح بعض المسؤولين لتساؤلات من قبيل:هل بتنا اليوم مضطرون للاختيار مابين التوظيف الاجتماعي –إن وجد – أو الرواتب الجيدة التي تحقق الحد الأدنى من المعيشة؟

يوحي هذا التساؤل وكأنّ الحكومات المتعاقبة لم تكن قادرة على منح رواتب كافية للحد الأدنى للمعيشة بسبب إنفاقها على الدعم الاجتماعي، وهذا غير صحيح، فلا علاقة للدعم بالأجر، فالدستور نص على الإثنين، والأصل أن ينال العامل، مثل كل دول العالم أجرا يزيد عن الحد الأدنى لمستلزمات المعيشة والسكن، ونشدد على السكن، فالكل يُسقطه من حسابات الأجر!

وإذا كانت الحكومات المتعاقبة أو الحالية أوالقادمة لا تسمح مواردها بمنح عمالها أجرا مناسبا، ولا بدعمهم اجتماعيا وعينيا، فلماذا لاتحرر القطاع العام من قبضتها وتحوّل منشآته إلى شركات مساهمة تطرح 49 % من أسهمها على الإكتتاب؟

إن هذا التحول يمكن إدراجه في إطار الدور الجديد للدولة، حيث تتحول مسؤولية منح العاملين أجرا كافيا إلى مجالس إدارات الشركات الجديدة، والتي ستسدد في نهاية العام المالي أرباحا تزيد عن الفوائض المالية التي تجبيها الحكومة سنويا من القطاع العام.

صحيح أن هذا الدور الجديد للدولة يحرر القطاع العام من قبضتها ليدار من قبل القطاع الخاص، لكنها تبقى المالك الحصري له من جهة، وتتيح تحسين دخل ملايين السوريين من جهة أخرى.

 

(خاص لموقع اخبار سورية الوطن-سيرياهوم نيوز)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الحرب على الوعي والمثقف الوطني المشتبك

  بقلم :د. حسن أحمد حسن   عندما يطوي السوريون تحت أقدامهم ثلاثة عشر عاماً من أقذر حرب عرفتها البشرية، ويفلحون في الحفاظ على كيان ...