يرى مسؤولون حاليون وسابقون أن الولايات المتحدة ما زالت تعاني من عواقب غزو العراق قبل 20 عاما والتي تتراوح بين تمكين إيران وتضاؤل نفوذها إلى تكلفة بقاء القوات الأمريكية في العراق وسوريا لمواجهة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
ويقولون إن قرار الرئيس السابق جورج دبليو بوش في 2003 بالإطاحة بصدام حسين بالقوة، وتقليص أعداد القوات الأمريكية الذي أدى إلى اندلاع الصراع الطائفي، ثم الانسحاب الأمريكي في نهاية المطاف عام 2011، عوامل أدت إلى الوضع المعقد للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
وأطلقت نهاية حكم الأقلية السنية بزعامة صدام واستبداله بحكومة أغلبية شيعية في العراق العنان لإيران لتعميق نفوذها عبر بلاد الشام وخاصة سوريا، حيث ساعدت القوات الإيرانية والفصائل الشيعية بشار الأسد على إخماد انتفاضة سنية والبقاء في الحكم.
وترك انسحاب القوات الأمريكية من العراق في 2011 فراغا ملأه تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على ما يقرب من ثلث العراق وسوريا وأثار مخاوف دول الخليج من عدم قدرتها على الاعتماد على الولايات المتحدة.
وبعد الانسحاب، أعاد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قواته إلى العراق في 2014، حيث بقي نحو 2500 جندي، وانتشر في سوريا في 2015 حيث يوجد نحو 900 جندي. وتقاتل القوات الأمريكية في البلدين تنظيم الدولة الإسلامية الذي ينشط من شمال أفريقيا وحتى أفغانستان.
وقال النائب السابق لوزير الخارجية الأمريكي ريتشارد أرميتاج ملقيا اللوم على فشل واشنطن في تأمين العراق “عدم قدرتنا وغياب رغبتنا في إحكام سيطرتنا الأمنية سمح بحدوث فوضى أدت إلى ظهور داعش” مستخدما الاسم المختصر لتنظيم الدولة الإسلامية.
وأضاف أرميتاج، الذي عمل في عهد بوش المنتمي للحزب الجمهوري عندما غزت الولايات المتحدة العراق، أن العزو الأمريكي “ربما كان خطأ استراتيجيا كبيرا” مثل غزو هتلر للاتحاد السوفيتي في 1941 وهو ما انتهى بهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
* تكاليف باهظة
كانت تكلفة التدخل الأمريكي في العراق وسوريا باهظة.
ووفقا لتقديرات دراسة “تكاليف الحرب” التي نشرتها جامعة براون هذا الأسبوع، فتكلفة الحربين في العراق وسوريا حتى الآن وصلت إلى 1.79 تريليون دولار أمريكي، بما في ذلك إنفاق وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ووزارة الخارجية ورعاية المحاربين القدامى والفائدة على ديون تمويل الصراعات. وسترتفع هذه التكلفة إلى 2.89 تريليون دولار عند الأخذ في الاعتبار تكلفة رعاية المحاربين القدامى المتوقعة حتى 2050.
وتقدر الدراسة عدد القتلى من الجيش الأمريكي في العراق وسوريا على مدار أكثر من 20 عاما عند 4599 قتيلا، وعند احتساب المدنيين في كلا البلدين والجيش والشرطة ومقاتلي المعارضة والإعلاميين وغيرهم يصل العدد إلى ما بين 550 و584 ألفا، ويشمل هذا العدد القتلى الذين سقطوا في الحرب لكنه لا يشمل الوفيات غير المباشرة الناتجة عن المرض أو النزوح أو المجاعات.
كما تلقت مصداقية الولايات المتحدة ضربة قوية جراء قرار بوش بالغزو بناء على معلومات استخباراتية تبين في نهاية المطاف أنها زائفة ومبالغ فيها وخاطئة بشأن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل.
وقال جون بولتون، أحد المدافعين عن الحرب والذي عمل في إدارة بوش، إنه على الرغم من ارتكاب واشنطن خطأ بعدم نشر العدد الكافي من القوات وبقرارها إدارة العراق بدلا من تسليم السلطة للعراقيين، فإنه يعتقد أن الإطاحة بصدام حسين تبرر التكاليف.
وأضاف “الأمر كان يستحق لأن السؤال لم يكن يشكل صدام تهديدا بأسلحة الدمار الشامل في 2003؟ بل كان سيشكل تهديدا بأسلحة الدمار الشامل بعد خمسة أعوام؟ وأعتقد أن الإجابة بوضوح كانت نعم”.
وتابع “أسوأ خطأ اُرتكب بعد الإطاحة بصدام… كان الانسحاب في 2011″، قائلا إنه يرى أن أوباما أراد الانسحاب واستخدم عدم الحصول على ضمانات لتوفير الحصانة للقوات الأمريكية من البرلمان العراقي “كذريعة”.
* “ناقوس الخطر يدق… في الخليج”
يقول رايان كروكر، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في العراق، إن الغزو في 2003 لم يقوض النفوذ الأمريكي في الخليج، بل كان الانسحاب في 2011 هو ما دفع الدول العربية للتحوط من رهاناتها.
وكان أحدث مثال على تراجع النفوذ الأمريكي، الاتفاق الإيراني السعودي يوم الجمعة الماضي برعاية الصين على إعادة العلاقات بعد سنوات من العداء.
وقال كروكر مشيرا إلى عدم رغبة الولايات المتحدة في مواصلة التضحية بالأموال والأرواح لتأمين العراق “قررنا أننا لا نريد القيام بمثل هذه الأشياء بعد الآن، بدأ ذلك… بإعلان الرئيس أوباما… أنه سيسحب كل القوات.
“هذه القرارات الأمريكية لم يفرضها اقتصاد منهار أو محتجون في الشوارع. قيادتنا قررت أنها لا تريد القيام بمثل هذه الأمور، ومن هنا بدأ يدق ناقوس الخطر… في الخليج”.
وقال جيم ستاينبرج، نائب وزير الخارجية في إدارة أوباما، إن الحرب أثارت تساؤلات حول استعداد واشنطن للعمل بمفردها والتعويل عليها كشريك.
وتابع “النتيجة النهائية… كانت سيئة بالنسبة للتأثير والنفوذ الأمريكيين، وقدرتنا على عقد شراكات مع دول في المنطقة”.
وما زال الجدل محتدما بين المسؤولين السابقين بشأن قرار أوباما بالانسحاب.
ولا يؤمن الكثير من المسؤولين الحاليين والسابقين بما يعتقده بولتون بأن الإطاحة بصدام كانت تستحق هذه التكلفة.
وعند سؤاله عما يتبادر إلى ذهنه عند الغزو وما تلاه، أجاب أرميتاج بكلمة “فوبار” وهو اختصار عسكري يرمز إلى “فوضى تفوق كل الحدود”.
بينما كانت إجابة لاري ويلكرسون كبير موظفي وزير الخارجية السابق كولن باول “كارثة”.
فيما أجاب ستاينبرج “غير ضرورية”. (رويترز)
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم