علي عبود
بدأت حملات سياسية مناهضة للعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب على سورية في عدد من الدول العربية والأجنبية مطالبة برفع الحصار عن الشعب السوري والتوقف عن ارتكاب الجرائم الوحشية الأمريكية ضد المناوئين لسياساتها العدوانية ضد الشعوب.. والسؤال: هل ستستجيب الحكومات الغربية وترفع الحصار والعقوبات عن سورية؟
ولعل السؤال الأهم: هل تصل أصداء هذه الحملات ومطالباتها إلى آذان المسؤولين في الإتحاد الأوروبي وأمريكا؟
منذ أسبوعين، وبعد زلزال 6 شباط المدمر، وقع عدد كبير من السياسيين والدبلوماسيين الفرنسيين السابقين، وشخصيات سياسية وثقافية وفكرية وناشطين..الخ، على معروض يطالب الحكومة الفرنسية برفع العقوبات فورا عن الشعب السوري.. فماذا كانت النتيجة؟
لم تردّ الحكومة الفرنسية بكلمة واحدة على معروض أصحاب الرأي المؤثرين في المجتمع، بل تجاهلته وسائل الإعلام الفرنسية، ولم تنشر عنه سطرا واحدا، ولولا الصفحات الشخصية للموقّعين على المعروض لما سمع به أي فرنسي!!
وذكر عدد من السوريين في إيطاليا، التي يُفترض أن تكون أكثر تعاطفا مع شعوب البحر الأبيض المتوسط، والذين ساهموا بإرسال المساعدات للشعب السوري، أن الإعلام الإيطالي لايختلف عن أي إعلام في الإتحاد الأوروبي، فهو يتجاهل مأساة السوريين جراء الزلزال ولا ينشر عنها شيئا!!
كل هذا يقودنا إلى السؤال الأبرز: إذا كانت دول الإتحاد الأوروبي المتوحشة لاتستجيب للمظاهرات التي تنطلق في المدن والعواصم الأوربية، ولا للمطالبات الشعبية الواسعة ولا لأصحاب الرأي.. الخ، بوقف دعم أوكرانيا بالأسلحة، وبرفع العقوبات عن روسيا.. فهل ستتمرد هذه الدول على أمريكا وتلغي العقوبات المفروضة على سورية؟
المسألة كانت ولا تزال بأن مامن قوة قادرة على محاسبة الإدارات الأمريكية على جرائمها الوحشية ضد العالم، أو بإرغامها على رفع الحصار وإلغاء العقوبات عن الدول المناوئة لسياساتها..!
لقد مضى أكثر من 61 عاما على الحصار الاقتصادي الأميركي على كوبا، وعلى الرغم من فشل الإدارات الأمريكية المتعاقبة في إجبار هافانا على تبديل نهجها، لا تزال هذه الإدارات تكرر معزوفة (الحصار لن يرفع إلا بعد الإنتقال إلى ديمقراطية ممثلة للجميع)، ولم تتوقف عن ارتكاب الجرائم أيضا المدرجة ضد الإنسانية والتي تستهدف الشعب الكوبي!
وفور تحرر إيران من قبضة أمريكا بعد عزل الشاه، وانتصار الثورة الإسلامية فرضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة عقوبات عليها بدأت بعد أيام قليلة من الثورة في عام 1979 ولا تزال تتصاعد حتى اليوم، وهي لم تتوقف عن ارتكاب مجازر وحشية بحق الشعب الإيراني.
وفي منطقتنا فرضت أمريكا العقوبات على كل الدول وحركات المقاومة المناوئة للعدو الصهيوني (سورية وليبيا والعراق ومنظمة التحرير وحزب الله والسودان ..الخ) ولم تعلق هذه العقوبات إلا عن الدول والحركات التي وقعت إتفاقيات استسلام مع العدو، وبالتالي فرفع الحصار، وتعليق (وليس إلغاء) العقوبات عن سورية لن يحصل إلا بعد توقيعها لاتفاقية استسلام أيضا مع العدو، وبالتالي ستسمر الجرائم الأمركية الوحشية ضد الشعب السوري حتى بعد تعرضه لأكبر كارثة منذ قرنين من الزمن.
والسؤال المطروح مرارا وتكرارا: من يحاسب أمريكا على جرائمها الوحشية ضد شعوب العالم؟
لقد استخدمت أمريكا أسلحة كيماوية في حربها بفيتنام في ستينات القرن الماضي ، وعلى الرغم من مضي ستة عقود لايزال يوجد ملايين الفيتناميين وآلاف المحاربين الأمريكيين القدامى وأسرهم، ممن يعانون آثار الحرب الكيماوية التي شنتها الولايات المتحدة في فيتنام لأنها لم تكترث قيادة أمريكا بمستقبل من سينجو من حربها في تلك البلاد، كان همها أن تمنع الثوار من الاستفادة من كثافة الأشجار كغطاء، فألقت القوات الأمريكية مواد كيماوية لتعرية الغابات وكشف تحركات الثوار والجنود الفيتناميين .. ومع ذلك لم تتمكن أي جهة من محاسبتها على جريمتها الوحشية حتى الآن!
وأمر الرئيس الأمريكي هاري ترومان في 6 و9 من شهر آب عام 1945 بإلقاء قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما وناكازاكي كي يفرض على اليابان إستسلاما كاملا دون أي شروط ، مما أدى إلى مقتل 140 ألف شخص في هيروشيما و80 ألف شحص في ناكازاكي ولا تزال آثار الإبادة البشرية مستمرة حتى اليوم، وبدلا أن تلاحق اليابان مجرمي الحرب على مدى الـ 75 عاما الماضية تحولت إلى تابع للأمريكان وهاهي تنضم لمحور أمريكا في حربها ضد جارتها الصين.
واحتلت أمريكا العراق منذ 20 عاما ودمرته وقسمته بذريعة كاذبة هي امتلاكه لأسلحة دمار شامل بعد حصار عدة سنوات أسفر عن موت أكثر من مليون شخص نصفهم من الأطفال، وقبلها استخدمت أسلحة اليورانيوم المخصب في عام 1991 عندما انسحبت القوات العراقية من الكويت، واستخدمت أسلحة محرمة دولية عندما احتلته عام 2003 وأدت هذه الأسلحة إلى ولادات مشوهة وارتفاع حالات الإصابة بالسرطان، وستبقى آثار هذه الأسلحة لعشرات السنين ، بالإضافة إلى ارتكاب جنودها العديد من المجازر دون أي عقاب!
الخلاصة:
أمريكا لن تتوقف عن ارتكاب الجرائم الوحشية ضد جميع الدول المناوئة لسياساتها، ومامن وسيلة للتحرر من القبضة الأمريكية الإجرامية إلا بالتحرر من قبضة الدولار الذي يتحكم بالتجارة الدولية وتحديدا مصادر الطاقة، فهو الذي يتيح لأمريكا التهديد بالعقوبات والحصار الاقتصادي، ويحول دون قيام المنظمات الدولية بمحاسبتها على جرائمها الوحشية ضد الشعوب في كل قارات العالم.
(سيرياهوم نيوز1-خاص)