آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » أمريكا وسوريا والعراق.. النفط والكُرد

أمريكا وسوريا والعراق.. النفط والكُرد

السفير الدكتور جواد الهنداوي

مِنْ خصائص سياسة امريكا الخارجية هو عدم تردّدها في تبني مواقف متناقضة في آنٍ واحد و تجاه طرف واحد. الامريكيون يصفون ذلك “بالبركماتيّة”، وآخرون، ونحن منهم، يعتقدون بأنّ امريكا لا تلتزم ولا تحترم المبادئ . ومن شدّة تقديس المصالح في سياسة امريكا ، أُهملتْ كُلياً المبادئ و القوانين الدولية ومبادئ الديمقراطية ومعايير الانسانية. فهي لا تستحي عندما تسرق النفط وعلناً من الحقول السوريّة، حتى أصبحَ الحديث عن سرقة النفط امراً متدوالاً ،ليس فقط في الصحف و نشرات الاخبار ،و انما ايضاً في اروقة الدبلوماسية، وعلى لسان ناطقين رسميين لدول عظمى؛ ها هو الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الصينيّة السيد يونغ يصرّح قائلاً ” امريكا تسرق ٨٠٪؜ من النفط السوري ،والسوريون يقفون طوابير للحصول عليه …”

واضافَ في مؤتمر صحفي، ان امريكا تسرق ٦٦ الف برميل يومياً ، وان اعمال السرقة، والتي تقوم بها القوات الامريكية و مرتزقتها المتواجده في الاراضي السورية ، اصبحت اكثر تهوراً ( انظر جريدة رأي اليوم الالكترونية ، لندن، تاريخ ٢٠٢٢/٩/٢٢ ) . وتسيطر القوات الامريكية وقوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) ، وهي مجموعات مسلّحة متنوعة ،اغلبها كُرديّة ، على منطقة شرق الفرات ذات الحقول النفطية ، ويقوم الطرفان ( قسد و الامريكان ) بادارة وبيع النفط المُستخرج من الحقول في شرق الفرات ؛ فتتولى قسد ببيع جزء من النفط الى سوريا ،عبر وسطاء و اتفاق مع الدولة، ويتولى الامريكان تهريب صهاريج نفط من الحقول الى خارج سوريا عبر شمال العراق ، وللاسف تتناقل وسائل الاعلام و التقارير الرسمية الدولية هذا الاستخدام غير القانوني وغير الشرعي لثروات دولة ذات سيادة ، وكأنه امراً طبيعاً .

 هكذا تتعامل امريكا وعلناً مع نفط سوريا ، ولم يخفْ الرئيس ترامب ،في مؤتمر صحفي في ٢٠١٩/١٠/٢٨ ، ارادته و رغبتة بتأسيس شركة تتولى ادارة النفط السوري وبيعه ، وصّرح حينها بانه سيتحدث مع شركة اكسون للبترول عن كيفية استثمار النفط السوري .

ad

 وتجدر الاشارة ايضاً بأنّ قسد تبيع النفط الى سوريا و بعلم وبموافقة امريكا ،ثّمَ تتولى شحن ما تستخرجه و بحماية وبرعاية القوات الامريكية ، و بيعه وبالتعاون مع الشركات والقوات الامريكية .

 نأتي الى حالة العراق ، والذي يعيش، ومنذ عام ٢٠٠٤ ، حالة ضُبابيّة وغير طبيعية مع الوضع الدستوري و الواقعي لاقليم كردستان ومع موضوع النفط .

 الاقليم ، لا هو في حالة انفصال او استقلال ( مثلما يقول الاخوة الكُرد ) ، ولا هو في حالة أتحاد كجزء جغرافي واقتصادي وسياسي من العراق ، و تتعامل الدول مع الاقليم ككيان شبه مستقل ، وهكذا تصفه صحف العالم و وكالات الانباء حين تتناول شؤون العراق او الاقليم .

 حالة الاقليم و النفط و العراق ، وبالصورة الضبابيّة التي نراها ، والتي قادت الى قتال بين القوات الاتحادية و قوات البشمركة في شهر تشرين الثاني عام ٢٠١٧ ، خلال حكومة السيد حيدر العبادي ، هي حالة اللا استقرار ، ونتائجها على حساب مصلحة الشعب العراقي بكافة اطيافه و مكوناته ، و آخرون ، وهم كُثرٌ ، المنتفعون من استمرار هذه الحالة ، وفي مقدمة هولاء ” الاخرون ” امريكا و اسرائيل .

 جميعنا نتذكّر استفتاء استقلال اقليم كردستان ، الذي أجرته حكومة اقليم كردستان ، في ٢٠١٧/٩/٢٥ ، ونتذّكر اصرار و جهود القيادات الكردّية على اجراءهِ ،بالرغم من معارضة الحكومة الاتحادية ، ونتذّكر ايضاً التصويت و باغلبية ساحقة على استقلال الاقليم . كيف كان موقف امريكا وكذلك موقف الدول الغربية من الاستفتاء ومن نتائج الاستفتاء ؟

 عارضت امريكا الاستفتاء ، و تبعها في الموقف ، الدول الاوربية ، ولم يعترفوا بنتائج الاستفتاء . برّرت امريكا موقفها بحرصها على وحدة الاراضي العراقية وحرصها على سيادة العراق و استقرار العراق . ولكن ،امريكا تدرك جيداً بان لاسيادة للعراق على النفط المُستخرج من اقليم كردستان ، والمُستَثمرْ من قبل شركات اجنبيّة و امريكية .

وتدرك الادارة الامريكية ايضاً بان التفاوت كبير بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم بشأن القرارات القضائية الصادرة من المحكمة الاتحادية العليا ،لدرجة ان حكومة الاقليم لا تعترف بدستورية المحكمة الاتحادية. مع ذلك تتوسط الادارة الامريكية لدى الحكومة الاتحادية، وتسعى من اجل عدم تطبيق قرار المحكمة الاتحادية العليا والقاضي بتسليم النفط المستخرج من الاقليم الى وزارة النفط في الحكومة الاتحادية ، لتتولى شركة سومو للنفط تسويقه وبيعه، ولتدخل ايراداته في الميزانيّة الاتحادية .

ما يهّمْ امريكا ليس مصلحة الكرد ،في العراق وفي سوريا، وليس مصلحة العراق و سوريا ، وانما مصلحتها واسرائيل و ربح شركاتها العسكريّة والنفطيّة

 وما يهّمْ امريكا ايضاً بأن لا يتوقف ضخ النفط الى تركيا من اقليم كردستان ، لانّ ذلك سيدفع تركيا الى اللجوء الى النفط الايراني و الروسي .

 امريكا للاسف تسرق و تتاجر بالنفط سياسياً و مالياً وعلى حساب سيادة ومصالح الدول ، وحالة سوريا و العراق خير شاهد .

سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

قراءة في زيارة الشرع للإمارات

أبوظبي لم تعد مجرد محطة ديبلوماسية في زيارات القادة، بل أصبحت بوابة سياسية واقتصادية وأمنية لكل من يسعى للعبور نحو مستقبل أكثر استقراراً.   شكلت ...