رضا صوايا
حين اقترنت بجورج كلوني، غصّت المواقع والصحف الأجنبية بمقالات تعرّف الجمهور بالمرأة التي تفوّقت على العشرات ونجحت في وضع خاتم النجم الهوليوودي. سيرة ذاتية غنية لبريطانيّة ــ لبنانيّة صنعت شهرتها في قاعات المحاكم والمحافل الدولية عبر قضايا حقوقية دسمة. لكن يبدو أنّ ميزان «العدالة» لدى أمل علم الدين لا يتّسع لغزّة
«عائلتي من لبنان، وقد هربوا أيضاً من الحرب، وكانوا محظوظين بما يكفي لقبولهم في دولة أوروبية. آمل أن تتمكّنوا جميعاً في يوم من الأيام من العودة إلى فلسطين الحرّة». في هذه الجملة المنقولة عن لسان البريطانية ــ اللبنانية أمل علم الدين، خضعت لتعديل وحيد يتمثّل باستبدال كلمة سوريا بفلسطين. كلام جاء على لسان أمل في لقاء جمعها وزوجها النجم الهوليوودي جورج كلوني في برلين مع مجموعة من اللاجئين السوريين عام 2016. شهرة علم الدين غير مرتبطة بنجاحات زوجها في صناعة السينما، فهي محامية لامعة ومتخصّصة في مجال حقوق الإنسان. كانت مستشارة للجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وأعمال إرهابية أخرى نُفّذت على الأراضي اللبنانية. المرأة البالغة 45 عاماً والتي تُتقن العربية والفرنسية والإنكليزية، لم تتردّد يوماً في قبول القضايا الشائكة والمثيرة للجدل. هكذا، عملت على دعاوى تتعلّق بسوريا، وكانت وكيلة دفاع عن مؤسّس موقع «ويكيليكس» الأسترالي جوليان أسانج في قضية تسليمه إلى السلطات السويدية، إضافة إلى دفاعها عن رئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة يوليا تيموشينكو أمام «المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان»، وعن مدير جهاز الاستخبارات الليبي السابق عبد الله السنوسي. وفي عام 2021، عيّنها مدعي «المحكمة الجنائية الدولية» مستشارة خاصة للنزاع في دارفور في السودان.هذه عيّنة من الملفات التي تصدّت لها أمل التي تُجاهر بأنّ حقوق الإنسان على رأس أولوياتها، غير أنّها تبدو غائبة عن السمع منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزّة في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي.
أين أمل علم الدين من كلّ ما يحدث إذاً؟ سؤال بات متداولاً بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي في ظلّ التزامها الصمت وهي التي دائماً ما عانى بلدها الأمّ من مآسي الحرب وجرائم واعتداءات إسرائيل المتواصلة حالياً في جنوب لبنان أيضاً. وزادت وتيرة انتشار السؤال حين خرج جورج كلوني ليعلّق على استشهاد المصوّر الصحافي اللبناني عصام العبد الله بفعل هجوم صهيوني: «الأمر كان على هذا النحو منذ زمن طويل، والصحافيون موجودون دائماً في الخطوط الأمامية، وليست لديهم حماية كافية… كما تعلمون، أنا متزوّج أيضاً وزوجتي لبنانية، لذا، لبنان هو نوع آخر من هذه القصص الحزينة. من الواضح أنّ الأمر لا يتعلق بالصحافيين فقط، فالمنطقة بأكملها تشتعل بالنيران، والأمر مفجع هناك الآن، كل ما يمكننا فعله هو الدعاء من أجل الوصول إلى نهاية قريباً، ولا أتوقع حدوث ذلك في المستقبل القريب». مع العلم أنّ بطل فيلم Ocean›s Eleven لم يتطرّق إلى الفظائع الصهونيّة في الأراضي المحتلة، وهو الذي عيّنته الأمم المتحدة في عام 2008 رسول سلام «تثميناً لمواقفه الداعمة للسلام وحقوق الإنسان»، وتحديداً تنديده بما كان يحدث في إقليم دارفور في السودان». فضلاً عن أنّه وزوجته كانا قد أعلنا عام 2017 أنّهما سيساهمان في تعليم نحو 3000 طفل سوري نازح في لبنان. لكن لعلّ الثنائي لا يعرفان أنّ جلّ ما بات يطمح إليه أطفال غزّة هو البقاء على قيد الحياة.
البحث عن أمل ليس صعباً، فهي حاضرة أكثر من اللازم في المناسبات والأنشطة الاجتماعية والفنية. ففي 11 من كانون الأوّل (ديسمبر) الحالي، رافقت زوجها في لوس أنجليس إلى العرض الأوّل لأحدث أفلامه كمخرج The Boys in the Boat. وقبل ذلك، شاركت في حدثين مماثلين مرتبطين بالفيلم مع جورج، أحدهما في سياتل والآخر في لندن.
لا يعيب أحد على السيدة كلوني الوجود أينما شاءت والمشاركة في أي مناسبة تريدها، لكن ألم يكن باستطاعتها استغلال إطلالتها التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة للإضاءة على ما يحدث في فلسطين؟ وقد يكون من المفيد هنا استحضار أمثلة من زمن سابق، كتلك الواقعة التي رفض فيها النجم مارلون براندو تسلّم جائزة الأوسكار عام 1973 ومقاطعة الاحتفال دعماً للهنود الحمر وتنديداً بسوء تمثيل السكان الأصليين في صناعة السينما الأميركية.
قد يعزو البعض تصرّف آل كلوني إلى الأثمان التي يدفعها المدافعون عن فلسطين وداعميها في هوليوود، وآخرهم النجمة الأميركية الحاصلة على جائزة أوسكار سوزان ساراندون (الأخبار 14/12/2023). غير أنّ العدوان على غزّة أثبت أيضاً أنّ الواقع في عاصمة صناعة السينما تبدّل إلى حدّ ما، في وقت تعلو فيه المزيد من الأصوات في وجه الهيمنة الصهيونية واتهامات معاداة السامية.
رفضت في عام 2014 المشاركة في اللجنة الأممية المكلّفة بالتحقيق في العدوان على غزّة
أمل التي انضمت الشهر الماضي إلى ميشيل أوباما وميليندا غيتس في رحلة مالاوي رفضاً لزواج القاصرات في البلاد بمبادرة من «مؤسسة كلوني للعدالة»، لا تعدّ لا مبالاتها بغزّة وأهلها جديدة. ففي آب (أغسطس) 2014 اعتذرت عن عدم المشاركة في اللجنة الأممية المكلّفة بالتحقيق في العدوان الإسرائيلي وانتهاكات حقوق الإنسان التي شهدها، بذريعة «التزامات خاصة» على الرغم من تأكيد «إيمانها بأنّه يتعيّن أن يكون هناك تحقيق مستقل ومحاسبة على الجرائم المرتكبة».
التزامات علم الدين الخاصة لم تمنعها وزوجها عام 2016 من إقامة احتفال في منزلهما لجمع التبرّعات للحملة الانتخابية للمرشحة الرئاسية للانتخابات الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون، إذ وصلت قيمة الحضور إلى 34 ألف دولار. وقد نُظّم الحدث آنذاك بالتعاون مع رجل الأعمال الإسرائيلي الأميركي، الملياردير حاييم صبان، الذي يفاخر بأنه من أشدّ مؤيدي الكيان الصهيوني.
في مقابل صمتها المطبق عن الإبادة المرتكبة في فلسطين، لم توفّر أمل فرصة لإدانة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، قائلةً في اجتماع غير رسمي لمجلس الأمن في نيسان (أبريل) 2023 إنّ «أوكرانيا اليوم مذبح في قلب أوروبا». وفي العام نفسه، أبدت رغبتها بمحاكمة الرئيس السوري بشار الأسد في «محكمة العدل الدولية» في لاهاي، مشددةً على أنّها ستكون سعيدة في حال حصول ذلك. حسناً، لن نطالبها بالسعي لمحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أيضاً في المحكمة نفسها، لكن نأمل أن يساورها الشعور بالفرح نفسه فيما لو سيق إليها مكبّلاً.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية