لن تستطيع الأمهات المعاصرات اتباع نهج السلف في تربية أطفالهن في هذا الزمن، فما تربت عليه الأمهات بات نسخة قديمة غير قابلة للتطبيق على أطفال يخضعون لتأثيرات شتى من وسائل التواصل الاجتماعي وسطوة الشبكة العنكبوتية وإيقاعات زمن انفتاح لا حدود له، تكاد تحكم السيطرة على عقولهم، وتسهم بشكل مباشرفي تكوين مفاهيمهم عن الحياة، كما توقعهم في فخ الانسياق وراء قيم ومعتقدات غير مناسبة لمجتمعنا العربي المحافظ ، فمنظومة قيمنا باتت في دائرة الخطر، تدافع عن نفسها في معركة شرسة أمام غزو ثقافي وفكري في عصر العولمة والانفتاح.
مراقبة وتحصين
بين أمهات اليوم والأمس واختلاف طريقة التربية والتنشئة الاجتماعية تحدثت لـ “الثورة” الاختصاصية التربوية غفران السيد: مهمة تربية الأبناء في عصرنا ليست بالأمر السهل، تجعل الأمهات أمام مسؤولية صعبة، فهي ليست الوحيدة التي تلقن وتعلم وتربي فقط ، فقد اتسعت دائرة التربية، والتأثيرات التي تلعب دوراً خطيراً بالتربية من بيئة اجتماعية محيطة باتت تجمع خليطاً واسع الأطياف والبيئات والانتماءات، كذلك بالنسبة لجماعة الأقران التي لم تعد كما السابق من منبت ومشرب وأصل واحد، فحركة النزوح التي فرضتها الأزمة جعلت من حي واحد خارطة سورية متكاملة في بقعة ضيقة، والأهم من ذلك سطوة وسائل التواصل الاجتماعي واستلاب عقول الأبناء بملاحقة ما تبثه من أفكار وقيم.
بين التربية في الماضي والتربية اليوم فرق شاسع، ففي عصرنا الراهن الأمهات عاملات، فالأم تقوم بأدوارعدة ومتنوعة ما يجعل مهمتها أصعب بكثير من أمهات الأمس حيث كن ربات بيوت غالباً، فعند عودتها من عملها تمارس دورها كأم ومعلمة وطاهية ومربية ومدبرة منزل، ودورها الجديد أن تكون مراقبة وحامية ومحصنة لأبنائها من ذاك الغزو الفكري الذي يتمثل بالهواتف الذكية، وما يتابعه الأبناء في العالم الأزرق، حرصاً عليهم من تأثيراته على أفكارهم وقيمهم.
ترسيخ القيم والمبادئ
وأشارت السيد إلى أن مهمة الأم صعبة في ظل غياب الأب الطويل بالعمل، والذي يشغل مساحة وقته وربما يخرج ويعود في فترة النوم من دون أن يرى أبنائه، لحرصه على تأمين مستلزمات الحياة في ظلّ الضغوطات المادية الصعبة، فالأم المعاصرة يقع عليها مسؤولية ترسيخ القيم والعادات، وإقناع الأبناء أن القيم ثابتة لا تتغير وهي ليست “دقة قديمة” أمام التغيروالانفلات والانحدار الأخلاقي والقيمي الذي يحاول الغزو الثقافي غرسه في عقول ناشئتنا.
وتابعت بالقول: كما ينبغي على الأم أن ترسخ في عقول الأبناء القناعة والرضا، فاتساع عيون الأطفال في الشاشات الذكية، يعرض لهم عالماً وواقعاً غير واقعهم المعاش، فباتت البيوت مفتوحة وما يفعله ويملكه البعض، يخلق حالة من المقارنة وعدم الرضا ويزعزع القناعة ويهدم الأمان النفسي ويخلق مشكلات بين الأهل والأبناء لعدم قدرتهم على تحقيق كلّ مطالبهم التي تفوق ميزانية الأسرة بكثير.
دور مهم للأب
ولفتت السيد إلى أهمية دورالأب حتى ولو لم يكن لديه الوقت الكافي للمشاركة في التربية والتنشئة والتعليم، فالاتصال بالمدرسة للسؤال على الوضع الدراسي للأبناء مهم جداً، كما أن الحرص على الجلوس معهم ولو لوقت قصير يقوي الروابط الأسرية ويرسخ دور الأب لكونه مثلاً وقدوة يقلده الأبناء، ومساعدة الأم ببعض المهام المنزلية ولو بشكل بسيط يحفز الأم معنوياً ويجعلها أكثر عطاء وتفانياً، وذلك بمثابة الدعم والمساندة في مهامها الصعبة.