- محمود عبد اللطيف
- الثلاثاء 30 تشرين الثاني 2021
تدأب القوات الجوّية السورية، منذ فترة، على تنفيذ عمليات مكثّفة في المنطقة الممتدّة بين بلدة الرصافة في الريف الجنوبي لمحافظة الرقّة، والمناطق الواقعة في المحيط الشمالي لمنطقة جبل البشري، حيث تنشط خلايا تابعة لتنظيم «داعش» في مهاجمة مواقع الجيش السوري ونقاط أخرى يتمركز فيها رعاة أغنام، بهدف الحصول على المؤن والذخائر. وتفيد مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن التنظيم يعتمد في عملياته في قطاع البادية الواصل بين محافظات الرقة ودير الزور وحمص وحماة «أساليب حرب العصابات» التي يَعسر، على خطورتها، أن تُحدث تغييراً في خريطة السيطرة. إذ يوزّع «داعش» خلاياه في المنطقة بشكل متباعد، الأمر الذي يصعّب عملية تتبّعها، كما يعتمد، خصوصاً في مناطق جنوب دير الزور المتاخمة لريف حمص الشرقي، شكلَين رئيسَين من الهجمات: الأوّل منظّم، ويستهدف قوافل الإمداد الخاصة بالجيش أو القوافل التجارية، من قِبَل 50 إلى 75 عنصراً في كلّ هجمة، يتنقّلون بواسطة السيّارات رباعية الدفع والدرّاجات النارية؛ والثاني يتمثّل في الإشغال بالاعتماد على مجموعات صغيرة لا يزيد تعداد عناصرها على 10 في أحسن الأحوال، يعمدون إلى إطلاق النار من مسافات بعيدة قبل الفرار، بالاستفادة من الطبيعة الجغرافية الخاصة بالبادية والتي تحتوي عدداً كبيراً من الوديان السيلية والطرقات القديمة.
اللافت أن تلك الهجمات المنظّمة تترافق مع موجات تشويش على وسائل الاتصال السورية مصدرها قاعدة التنف، فيما تفيد المعطيات بأن خلايا التنظيم التي تنفّذ مثل هذه العمليات تحصل على معلومات استخبارية متعلّقة بالطرقات المستخدَمة من قِبَل الجيش السوري لنقل الإمداد إلى النقاط الواقعة في عمق البادية، أو تلك التي تسلكها القوافل التجارية، وهذه المعلومات في الغالب مصدرها القوات الأميركية والبريطانية المتمركزة في قاعدة التنف. وبحسب المعطيات التي توافرت لـ«الأخبار»، فإن عداد مقاتلي «داعش» في البادية يقرب من 1500 عنصر، بواقع خلايا تعداد الواحدة منها 50 عنصراً تقريباً، فيما لا يمكن لهؤلاء التمركز في نقطة ثابتة لمدّة طويلة، أو أن يشنّوا هجمات بهدف السيطرة على أيّ نقطة بشكل مستدام، وذلك لكون هذه النقطة ستتحوّل إلى مقتلة لهم بسهولة باستهدافها جوّاً أو حصارها برّاً.
يُعدّ ضبط مساحة شاسعة مثل البادية السورية التي ترتبط جغرافياً بالأراضي العراقية صعباً نسبياً
وتنفّذ القوات السورية عمليات تمشيط دورية للمنطقة، لكن ضبط مساحة شاسعة مثل البادية التي ترتبط جغرافياً بالأراضي العراقية، يُعدّ صعباً نسبياً. ومن هنا، يأتي تأمين الطرق الرئيسة بين المحافظات وطرق الإمداد على رأس قائمة الأهداف السورية، علماً أن أبرز تجمّعات التنظيم يقع في الأطراف الشمالية لمنطقة خفض التصعيد المحيطة ببلدة التنف ومخيم الركبان، والتي تُعرف باسم منطقة «الـ55 كلم»، ومنها يبدأ أي تحرّك لـ«داعش» باتجاه مناطق جنوب دير الزور أو شرق حمص. ويعتمد التنظيم على حماية واشنطن لهذه المنطقة، واعتبار اقتراب القوات السورية منها تهديداً لها بشكل مباشر. وتؤكد المعلومات أن «داعش» يقيم علاقات تجارية مع «جيش مغاوير الثورة» الموالي للقوات الأميركية، والذي ينتشر بمهام حراسة ومراقبة في محيط قاعدة التنف وداخل مخيم الركبان.
البريطانيون مجدداً
مطلع الشهر الحالي، دخل قائد قوّة المهام المشتركة، البريطاني ريتشارد بيل، إلى منطقة التنف، ليَعقد اجتماعاً ثانياً، بعد أوّل جرى في أيار الماضي، مع قيادة فصيل «جيش مغاوير الثورة» ممثّلة بمهند الطلاع، وذلك بهدف الدفع بتجنيد مقاتلين جدد في صفوف الفصائل الموالية لـ«التحالف الدولي»، وزيادة عدد نقاط الحراسة في محيط قاعدة التنف. ويعني تجنيد المزيد من الشبّان مقابل رواتب جيدة، في ظلّ شحّ فرص العمل وتفشّي الفقر في مخيم الركبان، توريط هؤلاء في ملفّات أمنية ستمنع عودتهم إلى كنف الدولة السورية لاحقاً، والحفاظ على المخيّم لمدّة أطول. ولا يبدو أن قوات «التحالف» تمانع أن يكون الطلاع قائداً لـ«الحديقة الخلفية» لتنظيم «داعش»، أو أن يقيم علاقات تجارية مع التنظيم، فالمهمّ هو البقاء لأطول فترة ممكنة في المنطقة، بما يفيد في قطع الطريق الدولية دمشق – بغداد. والجدير ذكره، هنا، أن خلايا «داعش» لم يسبق لها أن هاجمت التنف أو نقاط الفصائل الموالية لـ«التحالف» في عمق البادية، فيما ينصبّ تركيزها على نقاط الجيش السوري وطرقه، ما يؤكد عمق العلاقة بين التنظيم ومَن يعيش في كنفهم ضمن الـ«55 كلم». من جهتهم، يحثّ قادة «فصائل الركبان» على مواصلة عرقلة دخول المساعدات إلى المخيّم الذين يسيطرون عليه، ومنع سكّانه من العودة إلى مناطق الدولة، على اعتبار أن تفكيكه وخلوّه من المدنيين سيعني بالضرورة تحوّله إلى منطقة عسكرية يمكن للحكومة السورية أن تهاجمها في أيّ وقت، ما سيُفقد قوات «التحالف» حجّة البقاء في التنف، ويضع الفصائل أمام معركة لن تقدر على الصمود فيها طويلاً، بسبب الفوارق في العدد والعدّة.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)