| علاء الحلبي
لم يحمل البيان الختامي للجولة الجديدة من «مسار أستانا» أيّ جديد، باستثناء تركيزه على رفْض الوجود الأميركي على الأرض السورية، وهي النقطة التي تستند إليها روسيا في مساعيها لإعادة وصْل العلاقات المقطوعة بين أنقرة ودمشق، بالإضافة إلى تجديده دعْم مشاريع «التعافي المبكر» لتأهيل البنية التحتية بشكل يساهم في رفْع وتيرة عودة اللاجئين والنازحين، ضمن الاستراتيجية السورية – الروسية لسحْب «الورقة الإنسانية» من طاولة المداولات السياسية.
البيان الذي دان الاعتداءات الإسرائيلية والعقوبات الأحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على سوريا، شجَب أيضاً النزعات الانفصالية المدعومة أميركياً تحت مسمّى «الإدارة الذاتية»، من دون أن يتطرّق إلى التصعيد التركي الأخير في الشمال السوري، على الرغم من النقاشات الطويلة التي دارت حوله خلال الاجتماعات الجانبية بين الوفود المشارِكة في اللقاء الذي استضافتْه العاصمة الكازاخية نور سلطان. وشارك في الاجتماع وفدٌ من الحكومة السورية برئاسة نائب وزير الخارجية أيمن سوسان، وآخر تركي برئاسة مسؤول الملفّ السوري في الخارجية التركية سلجوق أونال، وثالث روسي تَقدّمه المبعوث الخاصّ للرئيس فلاديمير بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، ورابع إيراني ترأّسه مستشار الشؤون السياسية لوزير الخارجية على أصغر حاجي، بالإضافة إلى وفد عن المعارضة السورية برئاسة أحمد طعمة، ووفود الدول المراقبة: لبنان والعراق والأردن، وممثّلي المنظمات الدولية، وعلى رأسهم المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، الذي كان يأمل أن يفتح هذا الاجتماع الباب أمام استئناف عمل «اللجنة الدستورية»، قبل أن يغيّر التصعيد التركي محور تركيز الجولة.
وعلى خلاف البيان الذي جاء بخطوط عريضة، خرج رئيس الوفد السوري، أيمن سوسان، بتصريحات واضحة حول «رفْض دمشق العدوان التركي»، مشيراً، خلال مؤتمر صحافي عقب الاجتماع، إلى أن «الأفعال التي يرتكبها الاحتلال الأميركي والتركي، وفي مقدّمتها توفير الدعم لفلول المجموعات الإرهابية وقطْع المياه المتكرّر عن المواطنين في الحسكة، ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، وتشكّل انتهاكاً سافراً لميثاق الأمم المتحدة»، داعياً «المجتمع الدولي» إلى إدانة هذه الأفعال. ويؤشّر ذلك إلى استمرار الخلاف السوري – التركي، وتعثُّر المحاولات الروسية للتطبيع بين البلدَين، على الرغم من الاجتماعات الأمنية الطويلة بين الجانبَين خلال الفترة الماضية. وعلى عكْس التصريحات السورية، واصلت تركيا الحديث عن رغبتها في التقارب مع دمشق، فيما جدّد رئيسها رجب طيب إردوغان، بعد اجتماع برلماني، التأكيد أن لقاء يجمعه بالرئيس السوري، بشار الأسد، «ليس أمراً مستبعداً»، وذلك بعد أيام من حديثه عن تأجيل أيّ لقاء سياسي بين البلدَين إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التي تشهدها تركيا في شهر حزيران من العام المقبل.
تلقّى مسؤولون في «قسد» تحذيرات أميركية من نيّة أنقرة التقدّم برّاً نحو عين العرب أولاً ومنبج لاحقاً
في المقابل، كرّر إردوغان الحديث عن استعدادات تركية لعملية برّية في الشمال السوري، تشمل عين العرب (كوباني) ومنبج في الريف الشمالي الشرقي من حلب، حيث يمرّ طريق «M4» الدولي، الذي يدور حول جزئه المارّ في إدلب جدل مستمرّ، في ظلّ مماطلة أنقرة في الوفاء بتعهّداتها بفتحه، علماً أن المناطق التي ذكرها إردوغان هي ذاتها التي حاولت تركيا دخولها منذ أكثر من عام، قبل أن تفشل في الحصول على ضوء أخضر روسي أو أميركي من أجل ذلك. غير أن الأجواء السياسية هذه المرّة تبدو مختلفة، في ظلّ المرونة الأميركية التي توحي بنوع من القبول لهذا النوع من العمليات، وخصوصاً أن المنطقة التي يرغب إردوغان في قضمها تقع ضمن مساحة النفوذ الروسي، ما يعني بشكل من الأشكال وجود رغبة أميركية في إجهاض الجهود الروسية لإحداث تقارب تركي – سوري، بعدما منعت واشنطن «قسد» من الوفاء بتعهّداتها السابقة بتسليم منبج وعين العرب للجيش السوري لسحْب ذرائع أنقرة.
في هذا السياق، تَكشف مصادر كردية، في حديث إلى «الأخبار»، أن تَغيّراً طرأ على حديث السياسيين الأميركيين الذين كانوا حتى وقت قريب يقدّمون التطمينات بمنْع أيّ تقدّم بري، موضحةً أن مسؤولين في «قسد» تلقّوا تحذيرات أميركية من نيّة تركيا التقدّم برّاً نحو عين العرب أولاً، ومنبج لاحقاً، مع استمرار العمليات الجوّية التركية التي طاولت مواقع عديدة كانت، حتى وقت قريب، بعيدة عن القصف، بينها قاعدة أميركية جرى إخلاؤها قُبيل الهجوم التركي، قبل أن يعود الجنود إليها في وقت لاحق. في المقابل، يبدو الموقف الروسي أكثر حذراً، عبر تأكيد «تفهّم المخاوف الأمنية التركية» من جهة، ورفْض العملية البرية من جهة أخرى، الأمر الذي يضع الكُرة في ملعب «قسد»، التي يجب عليها أخيراً أن تفي بتعهّداتها السابقة، وتقوم بتسليم مواقع سيطرتها في عين العرب ومنبج للجيش السوري، الذي استقدم تعزيزات عسكرية كبيرة إلى عين عيسى المحاذية لعين العرب.