سعيد محمد
شهدت بروكسل، حيث مقرّ الاتحاد الأوروبي، أمس، اختراقاً دبلوماسياً كبيراً، مكّنها من اعتماد الحزمة الـ18 من العقوبات الأوروبية على روسيا، وذلك بعدما وافق رئيس وزراء سلوفاكيا، روبرت فيكو، على رفع الفيتو الذي كان يعيق إقرارها. وكان فيكو لجأ إلى الفيتو لتحقيق مكاسب في مفاوضات منفصلة تتعلّق بالخطة الأوروبية للتخلّي التدريجي عن الغاز الروسي.
وبعد ست محاولات ناجحة لعرقلة إقرار العقوبات، أعلن فيكو أنه حصل على ضمانات مكتوبة من المفوّضية الأوروبية للتخفيف من أيّ ارتفاعات محتملة في الأسعار، أو نقص في الإمدادات. وعلى الرغم من هذا الاتفاق، أبلغ فيكو مواطنيه أن «المرحلة الثانية من معركتنا مع المفوّضية الأوروبية في شأن الغاز الروسي، ستبدأ بعد ذلك مباشرة»، في ما يشير إلى استمرار التوتّرات في القارة حول قضايا الطاقة.
ووصفت رئيسة المفوّضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، الحزمة الجديدة بأنها موجّهة إلى «قلب آلة الحرب الروسية»، مؤكّدة أن الضغط سيستمرّ «حتى ينهي بوتين هذه الحرب»، فيما أكّدت الممثّلة العليا للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، كايا كالاس، أن القرار الأخير يمثّل «واحدة من أقوى حزم العقوبات ضدّ روسيا حتى الآن».
وتستهدف الإجراءات الرئيسية في هذه الحزمة، صناعة النفط والغاز الروسيَّيْن، وتتضمّن خفضاً لسقف أسعار النفط الروسي من 60 دولاراً، إلى 47.6 دولاراً للبرميل، مع ميكانيكية لخفض هذا السقف تلقائياً، ليبقى عند حدود أقلّ بنسبة 15% من متوسط سعر السوق، فضلاً عن حظر استيراد المنتجات النفطية المكرّرة المصنوعة من النفط الخام الروسي والمَبيعة في الاتحاد الأوروبي تحت اسم مختلف، وذلك بغرض إغلاق ثغرة قائمة كانت تستخدمها دول من مثل الهند وتركيا.
ويضاف إلى ما تقدّم، منع أيّ تعاملات جديدة تتعلّق بأنظمة خطّ أنابيب الغاز نحو أوروبا «نورد ستريم»، وحظر أكثر من 100 سفينة جديدة من أسطول ناقلات النفط القديمة التي تستخدمها موسكو للالتفاف على سقف الأسعار، من الوصول إلى موانئ دول الاتحاد والتعامل مع خدماته، ليرتفع إجمالي السفن المُدرجة في القائمة السوداء، إلى أكثر من 400 سفينة.
وتشمل الحزمة أيضاً حظراً أوسع على تصدير السلع ذات الاستخدام المزدوج والتكنولوجيا المتقدّمة التي يمكن أن تُستخدم في الصناعات العسكرية، ووقف التعامل مع 22 مصرفاً روسياً، ومع «الصندوق الروسي للاستثمار» وشركاته التابعة. وللمرّة الأولى، تمّ استهداف 11 شركة خارج روسيا، متّهمة بتمكين التهرّب من العقوبات، بما في ذلك أربع شركات في البرّ الرئيسي للصين، وثلاث في هونغ كونغ، وأكبر مصفاة لتكرير النفط الروسي في الهند.
وحظيت الحزمة الجديدة بترحيب واسع من قِبَل أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين، إذ شكر الرئيس فولوديمير زيلينسكي، بروكسل على «القرار المهمّ الذي أتى في الوقت المناسب»، مؤكّداً أن بلاده ستواصل العمل لضمان أن سقف الأسعار يخفّض بالفعل من عائدات روسيا. كما رحّبت رئيسة الوزراء الأوكرانية الجديدة، يوليا سفيريدينكو، بالعقوبات، لكنها أصرّت على أن «هناك المزيد الذي يتعيّن القيام به».
على أن مراقبين قالوا إن الأسابيع القليلة الماضية حملت إشارات متقاطعة إلى أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بات يشعر بإحباط متزايد إزاء «تعنّت» نظيره الروسي في المحادثات حول تسوية الصراع في أوكرانيا، وإن الأوروبيين اعتبروا ذلك بمثابة ضوء أخضر من واشنطن لتعزيز الحصار الاقتصادي على موسكو، ولذا قدّموا تنازلات «مؤلمة» لفيكو كي يمكن تمرير الحزمة الأحدث من العقوبات. في المقابل، قال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن روسيا بنت «حصانة كافية» ضدّ العقوبات الغربية، وتكيّفت للعيش معها، واصفاً الحزمة الجديدة بأنها «غير قانونية» شكلاً ومضموناً.
وبعيداً من العقوبات المباشرة، ارتفعت حدّة النقاش داخل الاتحاد الأوروبي حول مصير الأصول الروسية المجمّدة، والتي تُقدّر بنحو 260 مليار يورو، غالبيتها مودع لدى مؤسسة «يوروكلير» البلجيكية لتسوية الأوراق المالية. ويدرس الاتحاد الأوروبي خططاً لاستخدام هذه الأصول لتمويل النظام الأوكراني، لكنها تواجه تحذيرات جدّية من «يوروكلير» نفسها، إذ إن أيّ خطوة خاطئة قد تعرّض استقرار النظام المالي الأوروبي برمّته للخطر، وتثير تداعيات قانونية واقتصادية دولية.
وقالت الرئيسة التنفيذية لـ»يوروكلير»، فاليري أوربان، إن خطط إعادة استثمار الأموال الناتجة من الأصول الروسية المجمّدة لتحقيق أرباح أعلى، قد ترقى إلى «المصادرة». وأوضحت أن زيادة العائدات تعني زيادة المخاطر، متسائلة عن الجهة التي ستتحمّل هذه المخاطر. ففي العام الماضي، دفعت «يوروكلير» 4 مليارات يورو لأوكرانيا، و1.8 مليار يورو هذا العام، من الأرباح الناتجة من إعادة استثمار هذه الأصول. لكنّ هذه الأرباح تتناقض مع خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة.
لذلك، تريد بروكسل نقل هذه الأموال إلى فئات أصول أكثر خطورة قد تولّد عوائد أعلى، ولكنها تحمل أيضاً خطر خسائر أكبر، وهو ما حذّرت منه أوربان، بقولها إن «المخاطر ستزداد بشكل كبير إذا اضطررنا إلى تجاوز المستوى الذي نعتمده حالياً». ويبدو أن إحدى الأفكار المطروحة هي إنشاء «كيان ذي غرض خاص» يتمّ تحويل أصول البنك المركزي الروسي إليه، ويكون قادراً على توجيه الأموال الناتجة من تلك الأصول إلى استثمارات مضاربة، على أمل تحقيق المزيد من الإيرادات من خلال تحمّل المزيد من المخاطر.
لكنّ أوربان اعتبرت أن مثل هذا المخطّط سيخلق «الكثير من المخاطر ليوروكلير، وللأسواق الأوروبية والعالمية»، وأضافت: «من الناحية القانونية، فإن إنشاء كيان ذي غرض خاص سيعني مصادرة الأموال من يوروكلير من دون تحريرها من مسؤولية الردّ للبنك المركزي الروسي، ما سيؤدي إلى وضع لا يمكننا تحمّله».
علاوة على ذلك، تواجه «يوروكلير» أكثر من 100 دعوى قضائية تتعلّق بالأصول الروسية المجمّدة، بما في ذلك تلك التي تخصّ أفراداً وكيانات أخرى خاضعة للعقوبات، كما قامت روسيا بمصادرة 33 مليار يورو من الأصول التابعة لعملاء «يوروكلير» كانت مجمّدة لدى نظيرتها الروسية، وذلك رداً على تجميد أصول البنك المركزي الروسي. وحذّرت أوربان من أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتوقّع «المزيد من الانتقام الروسي بجميع أشكاله».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار