بعدما أصبح الرئيس الأميركي، جو بايدن، أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة ينسحب من السباق الرئاسي، في مثل هذا الوقت «المتأخر» من الحملة الرئاسية، باتت الأنظار تتركّز على نائبته، كامالا هاريس، وأدائها المحتمل في مواجهة المرشّح الجمهوري، دونالد ترامب، والسياسات التي قد تتبنّاها في حال فوزها بانتخابات تشرين الثاني المقبل، علماً أنّ ترشيحها المحتمل لقي، فور تزكية بايدن لها، أصداء إيجابية لدى عدد كبير من المسؤولين والمانحين الديموقراطيين. وكانت هاريس قد أشادت بالقرار «الوطني» الذي اتّخذه بايدن بعدم الترشّح لولاية ثانية، متعهّدةً بالفوز بترشيح الحزب الديموقراطي «وهزيمة» دونالد ترامب، فيما يُتوقّع أن تحافظ، إلى حد كبير، على نهج الرئيس في السياسة الخارجية، وخصوصاً إزاء ملفات من مثل الصين وإيران وأوكرانيا، لكنها قد تتبنّى، طبقاً لمراقبين، «لهجة أكثر صرامة مع إسرائيل»، في شأن حرب غزة. على أنّ من «نقاط الضعف» التي تواجه نائبة الرئيس في حملتها الانتخابية، الوضع المضطرب على الحدود مع المكسيك، ولا سيما أن مهمّة معالجة الأسباب الجذرية لارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية كانت موكلة إليها، وقد حمّلها الجمهوريون، في غير محطّة، مسؤولية الفشل في إتمامها. وفي أول ظهور لها أمس، بعد دعم ترشيحها لانتخابات الرئاسة، كالت هاريس المديح لبايدن الذي قالت إنه «تجاوز إرث معظم الرؤساء الذين خدموا فترتين»، مشيرةً إلى أنه «أمامنا 105 أيام للفوز بالانتخابات».وبعدما كان بعض المراقبين يرون في حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، منافساً محتملاً لهاريس، فقد دعم الأخير، في منشور عبر «اكس»، ترشيحها، قائلاً: «في الوقت الذي تتعرّض فيه ديموقراطيتنا للخطر، ومستقبلنا على المحكّ، لا أحد أفضل من نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، لترافع ضدّ رؤية دونالد ترامب الظلامية، ولقيادة بلادنا في اتّجاه أكثر صحّة». كذلك، بدا المانحون الرئيسيّون أكثر التفافاً حول هاريس، إذ أعلن الناطق باسم حملة جو بايدن، أمس، أن نائبة الرئيس جمعت 49.6 مليون دولار لحملتها الرئاسية في أقلّ من 24 ساعة، بعد انسحاب بايدن ودعمه لها، وهي أعلى قيمة تبرّعات يجمعها الحزب في يوم واحد منذ انتخابات 2020، علماً أن ميزانية حملة بايدن تبلغ 232.4 مليون دولار، تبقّى منها 91 مليوناً ستذهب إلى حملة المرشّح البديل، ما يعني أن إجمالي ميزانية هذه الأخيرة، بلغت، إلى الآن، 141 مليون دولار قابلة للزيادة.
وإذ يبدو أن الأرقام تصبّ في مصلحة هاريس مقارنة ببايدن، أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن استطلاعات الرأي الأخيرة بيّنت أن ترامب يتقدّم على منافسته المحتملة بنقطتين مئويتين على مستوى البلاد (46% مقابل 48%)، بعدما كان متقدّماً على بايدن بثلاث نقاط مئوية. وفي الولايات المتأرجحة، حيث أُجريت الاستطلاعات قبل إعلان بايدن انسحابه، وقبل محاولة اغتيال ترامب، كانت هاريس متأخّرة عن ترامب بنقطة مئوية واحدة فقط في ولاية بنسلفانيا الحاسمة، ومتقدّمة عليه بخمس نقاط في ولاية فرجينيا، وهي الولاية التي فاز بها بايدن بهامش ضئيل جداً. وفي الولايتَين، كان أداء نائبة الرئيس أقوى قليلاً من أداء رئيسها، لدى الناخبين السود والأصغر سنّاً والنساء، أي الفئات التي يحتاج إليها غالباً المرشحون الديموقراطيون للفوز، والتي كانت شعبية بايدن تشهد تراجعاً في أوساطها أخيراً.
يطالب بعض الديموقراطيين بإجراء «عملية مفتوحة» لاختيار مرشح بديل للرئاسة
لكن ترشيح هاريس، الذي تبنّاه بايدن، لن يُحسم قبل انعقاد «المؤتمر الوطني» للحزب الديموقراطي، والذي كان من المقرّر أن يتمّ ترشيح بايدن رسمياً فيه، من قِبَل ثلاثة آلاف و939 مندوباً، وذلك في الـ 19 من آب المقبل في شيكاغو. وعلى الرغم من أن ترشيحها يبدو شبه محسوم، فقد لمّح العديد من الديموقراطيين إلى تفضيلهم إجراء «انتخابات مفتوحة» تفضي إلى اختيار مرشّح «مناسب» للمنصب، فيما أحجم عدد من رموز الحزب، من مثل الرئيس السابق باراك أوباما، وزعيم الأغلبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، عن تأييد هاريس. وإذ أشاد أوباما، في بيان، بقرار بايدن الانسحاب، فقد حذّر من «آفاق مجهولة في الأيام المقبلة»، معرباً عن ثقته بقدرة قادة الحزب على «وضع مسار يمكن أن يفضي إلى مرشّح بارز». كما دعا السيناتور الأميركي، بيتر ويلش، وهو أول ديموقراطي طالب بايدن بالتخلّي عن ترشيحه، إلى «عملية مفتوحة» لترشيح هاريس. وبعدما التزمت الصمت، أعلنت رئيسة مجلس النواب السابقة، نانسي بيلوسي، التي تُعدّ من الشخصيات المؤثرة في الحزب، دعمها لهاريس.
ووفق ما نقلت صحيفة «بوليتيكو» عن أحد الخبراء، فإن اصطفاف «الديموقراطيين» حالياً خلف هاريس يهدف إلى تجنّب «الفوضى» في «المؤتمر الوطني» الشهر المقبل، ولا سيما أن كثيرين لا يزالون يتذكّرون الوضع في شيكاغو عام 1968، أي المرة الأخيرة التي عقد فيها الديموقراطيون «مؤتمراً مفتوحاً» عقب انسحاب ليندون جونسون، وما تبعه من فوضى في الشوارع واشتباكات المتظاهرين مع الشرطة. وطبقاً للمصدر نفسه، يبدو هذا الخوف مبالغاً فيه، وهو يأتي في وقت يشعر فيه العديد من الأميركيين بأن الحزب الديموقراطي حجب الكثير من المعلومات المهمّة حول «حالة بايدن خلال الانتخابات التمهيدية». وهكذا، وفي حال «فرض» الحزب مرشّحاً من دون أيّ منافسة، فقد يشعر الناخبون بالإحباط مرّة أخرى، علماً أم عدد المندوبين الذي صوتوا لمصحلة هاريس، حتى مساء أمس، بلغ ألف مندوب، فيما هي بحاجة إلى 1976 مندوباً لتفوز ببطاقة الحزب. ونقلت الصحيفة الأميركية عن محلّلين آخرين، قولهم إنه بغضّ النظر عن المرشّح الذي يختاره الديموقراطيون، فهم لن يكونوا «قادرين على إيقاف ما هو قادم»، أي فوز ترامب بانتخابات تشرين الثاني، لأنّ «الناخبين يتذكّرون أن أسعار البضائع كانت أرخص والحروب أقلّ». ووفقاً لأصحاب هذا الرأي، فقد قوّض انسحاب بايدن «الموضوع الرئيسيّ» الذي ارتكزت عليه حملته، وهو حماية «الديموقراطية»، بعدما ضرب بنتائج الانتخابات التمهيدية عرض الحائط، نزولاً عند ضغوط المانحين والمؤثرين الآخرين.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية