آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » أمّا ثقة .. ومتبادلة ..!

أمّا ثقة .. ومتبادلة ..!

| علي محمود جديد

 

ليس صحيحاً – على ما أعتقد – أنّ ضبوط المخالفات التي تنظمها أجهزة الرقابة التموينية لا تنفع ولا أثر لها على الأرض وغير مجدية تجاه الأسواق إذ لا تُحدِث أي تغيير بالنسبة للأسعار التي لا تخجل وهي تحلق بعيداً ولا يطالها إلاّ كل ذي حظ عظيم.

 

هذا مفهوم بات يتحدث بشأنه الكثيرون، ولكنها في الحقيقة هي ضبوط مفيدة وتبدو ضعيفة الأثر لأن حجم المخالفات كبير جداً في حين أن كوادر أجهزة الرقابة قليلة لا تستطيع أن تغطي مساحة البلاد بشكل مباشر، وهذا أحد أهم أسباب تفشي المخالفات وارتفاع منسوبها إلى هذا الحد الكبير وتنوعها الخطير الذي يمتد من الغش والتلاعب في المواصفات وزيادة الأسعار وصولاً إلى تهديد حياة البشر وزهق الأرواح.

 

ولذلك لا بد من مواجهة هذه المخالفات واتخاذ موقف الرفض تجاهها وملاحقتها ولو بأقل قدر ممكن، حتى لا يغدو شذوذها طبيعياً، وممارستها عادية وكأن شيئاً لم يكن، وهي بالنهاية تردع ولو أن صداها يبقى متواضعاً في الدائرة الواسعة.

 

ولكن من أهم الأسباب الأخرى لتفشي المخالفات هو أسلوب العمل الذي تتبعه أجهزة الرقابة ذاتها، والذي يحتاج في الواقع إلى إعادة نظر كي تخرج هذه الرقابة من تحت الشبهات التي هي عليها الآن، وكي تبقى مقبولة من قبل التاجر بشكل حقيقي وصادق لا كما هي منبوذة بوضعها الحالي من قبل أغلب التجار – إن لم يكن كلهم – وحتى من قبل أغلب الناس.

 

المشهد الحالي للعلاقة بين التاجر والرقيب التمويني مُخز ومؤسف جداً، فالمراقب التمويني يبدو وكأنه لا يثق بأي تاجر ولا بأي مخبز ولا مطعم ولا بائع عصير، ولا بأي فعالية تدخل ضمن نطاق رقابته، وهو على يقين بأن هؤلاء جميعاً مخالفون، فيتعامل معهم وكأنهم أعداء، أو على الأقل شبه أعداء، ويعتقد أن أي محل يدخل إليه سيكون مخالفاً بجانب من الجوانب.

 

والتاجر بدوره لا يثق بأي مراقب تمويني، وهو على يقين بأنه ما أن تطأ قدماه محلّه إلاّ وسوف يطال منه ويؤذيه سواء أكان مخالفاً أم غير مخالف، فإن لم يكن التاجر مخالفاً فإن المراقب سوف يبتكر له مخالفة من تحت الأرض، ولن ينجو من ضبط المخالفة إلاّ بحالة واحدة تنجيه وهي أن يدفع له المعلوم.

 

وإن كان يصعب على تجار الأسواق الكبيرة المكتظة التخفّي لتلافي المواجهة مع أجهزة الرقابة، فإن التجار في الأحياء المتناثرة والضواحي وبعض القرى أيضاً نراهم يفرّون كالعصافير من أمام أجهزة الرقابة، فما إن يسمعوا بوجودهم حتى يغلقون محالهم ويبتعدون ليتفرجوا على هزيمة الرقابة.

 

فالثقة بين الطرفين متوازنة لجهة الانعدام .. إنه مشهد مؤسف فعلاً أشبه بمشاهد القنص، إذ كل طرف يتربص بالآخر لينقض عليه ..

 

هذا التضارب الذي نراه يومياً قد يحرض بعض التجار للإمعان في المخالفات نكاية بالطرف الآخر، وقد يحرّض المراقبين للإمعان في الظلم، لنسير نحو حالة تتراكم فيها المخالفات ويتراكم فيها الظلم أيضاً.

 

كم كان جميلاً لو أن المراقب التمويني يحظى بالكثير من الترحاب والاحترام من قبل مجمل التجار، ويثقون بأنه لن يظلمهم ولن يرتشي منهم وما عليهم إلا أن يكونوا غير مخالفين فعلياً.. وكم كان جميلاً أيضاً لو أن التاجر يحظى بالاحترام والمحبة من قبل المراقب الذي يقصدهم لا لينال منهم ولا ليبتزّهم وإنما فقط للاطمئنان على سلامة السلع وانتظام العمل ..؟

 

يبدو آن لي أن أستيقظ فقد شطحتُ بعيداً في حلمٍ غير قابل للحياة!.

 

(سيرياهوم نيوز3-صحيفة الثورة 7-11-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ألف خطوة إلى الوراء ..! 

  مالك صقور     إن كان لينين قد كتب ذات يوم “خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء”، فيقتضي الانصاف اليوم أن يكتب :” ألف ...