ما زاد من صدمة السكان هو تبنّي فصيل “سرايا أنصار السنة” إشعال حريق قَسْطَل معاف، الذي يُعتبر الأخطر من بين عشرين حريقاً تقريباً ضربت المنطقة في ظروف مناخية غير ملائمة تماماً.
قد يكون أبناء الساحل السوري تمكنوا من تفادي “حريق أمني” بعدم استجابتهم إلى دعوة التظاهر احتجاجاً على تصاعد عمليات القتل والخطف، والتي وُجّهت إليهم من جهة خارج البلاد، من دون أيّ تنسيق مع أهالي المنطقة ووجهائها. لكنهم لم يجدوا وسيلة لإخماد حرائق الطبيعة التي التهمت جبالاً وغابات وقرى بأكملها خلال أربعة أيام.
وما زاد من صدمة السكان هو تبنّي فصيل “سرايا أنصار السنة” إشعال حريق قَسْطَل معاف، الذي يُعتبر الأخطر من بين عشرين حريقاً تقريباً، ضربت المنطقة في ظروف مناخية غير ملائمة تماماً، وفقاً لرأي خبراء.
وقال التنظيم، في بيان نشرته مؤسسة “دابق” الإعلامية المشكّلة حديثاً لتكون ذراعاً جديدة للفصيل، إلى جانب مؤسسة “العاديات”، التي تتعرض لضغوط كبيرة بسبب تكرار حذف معرفاتها عن منصّة “تلغرام”، إنه “بعون الله تعالى، أحرق مجاهدو سرايا أنصار السنة غابات القسطل بريف اللاذقية يوم 8 محرم، مما أدى إلى تمدد الحرائق إلى مناطق أخرى، ونزوح النصيرية من منازلهم، وتعريض عدد منهم للاختناق، وللّه الحمد”.
وبالتزامن مع البيان، جدّدت معرفات “سرايا أنصار السنة” على “تلغرام” نشر فتوى تُبيح تخريب الاقتصاد وإحراق ممتلكات “المشركين والكفار”. وعلى الرغم من أن هذه الفتوى صدرت عن “المفتي العام” للتنظيم أبو الفتح الشامي في شهر نيسان/أبريل الماضي، فقد أعاد التنظيم نشرها الاحد، تأكيداً على “شرعية” إحراق غابات القسطل.
ويعكس هذا التبنّي تصعيداً خطيراً في أساليب التنظيم، إذ يستخدم التخريب البيئيّ كسلاح ضمن عملياته ذات الطابع الطائفي، وهو ما يثير المخاوف من استمرار هذه الاستهدافات، ويُنذر بتهديد متواصل للسلم الأهلي، وفق ما ورد في تقرير لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

والجدير بالذكر أن “سرايا أنصار السنة” سبق له أن تبنّى التفجير الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بدمشق الشهر الماضي. وأعاد تبنّي التنظيم لحريق قسطل معاف الجدل بشأن خلفياته، ولا سيما في ظلّ التركيبة السكانية المتنوّعة في المنطقة المستهدفة، حيث يشكّل التركمان السنّة نسبة كبيرة من سكان العديد من القرى التي طالتها النيران؛ وهو ما يتناقض مع الغاية المعلنة في بيان التنظيم، أي تهجير “النصيريين” من قراهم، مما أثار العديد من علامات الاستفهام حيال طبيعة التنظيم وأهدافه الحقيقية.
وكانت وزارة الداخلية السورية قد وصفت “سرايا أنصار السنة” بعد تبنّيه تفجير الكنيسة بأنه “تنظيم وهمي”، لكنها أشارت في الوقت ذاته إلى أنه قد يكون أحد التنظيمات التي تعمل لصالح تنظيم “داعش”، الذي حمّلته المسؤولية المباشرة عن التفجير.
وشكّك الدكتور سامر عثمان، المختص بهندسة الغابات، في اندلاع حريق قسطل معاف لأسباب طبيعية بحتة، مرجّحاً أن يكون ناتجاً عن “عامل بشري”، ولا سيما في مرحلة الاشتعال الأولى. واستند في ذلك إلى دراسة أعدها كجزء من مشروع تخرّجه، ونشر تفاصيلها على “فايسبوك”.
وخلصت الدراسة إلى أن اشتعال الحرائق في هذا النوع من النظم البيئية يتطلب توافر مجموعة من الشروط المناخية والبيئية، في مقدّمها مرور فترة لا تقلّ عن أربعة أشهر من الجفاف والانحباس الحراري، حتى تصل المنطقة إلى ما يُعرف علمياً بـ”مؤشر الخطورة الحرج” (Critical Fire Danger Index)، الذي يُمكّن الحرائق من الانتشار الذاتي والواسع النطاق.
وأكّد عثمان أنه، في ظل المعطيات المناخية الحالية، لا يمكن تصنيف الظروف الراهنة ضمن فئة “الخطر الحرج”، سواء من حيث درجات الحرارة أو الرطوبة النسبية أو مدة الجفاف؛ وبالتالي فإن اشتعال الحريق بهذه الحدّة، وفي هذا التوقيت، بعيداً عن الذروة الحرارية الموسمية، لا يمكن تفسيره إلا بتدخل بشريّ مباشر أو غير مباشر.
في غضون ذلك، لم تنجح جهود فرق الإطفاء والدفاع الوطني، إلى جانب متطوعين مدنيين، في تطويق الحرائق واحتوائها، مما دفع إلى طلب تدخل مروحيات الجيش السوري، وإنشاء غرفة عمليات مشتركة للتعامل مع الحرائق.
كذلك، انضمّت كل من تركيا والأردن إلى جهود الإطفاء. فقد أرسلت تركيا طائرتين مروحيتين و11 آلية إطفاء، بينها 8 سيارات و3 ملاحق لتزويد المياه، لتعزيز قدرات الإطفاء في المناطق المتضررة. أما الأردن، فأعلن استعداده لإرسال فريق بري متخصص والتدخل بطيران الإطفاء اعتباراً من صباح الأحد، بعد تنسيق مباشر مع وزارة الخارجية السورية، وفق ما أعلنه وزير الكوارث السوري رائد الصالح.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية