|د. وائل معلا
في عام 2015 اعتمدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، باعتبارها دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر، وحماية الكوكب، وضمان تمتع الجميع بالسلام والازدهار بحلول عام 2030. أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر متكاملة من منطلق أن العمل في مجال ما سيؤثر في النتائج في مجالات أخرى، وأن التنمية يجب أن توازن بين الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
والأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة هي:
رقم الهدف SDG موضوع الهدف
الهدف (1) القضاء على الفقر
الهدف (2) القضاء التام على الجوع
الهدف (3) الصحة الجيدة والرفاهية
الهدف (4) جودة التعليم
الهدف (5) المساواة بين الجنسين
الهدف (6) المياه النظيفة والصرف الصحي
الهدف (7) طاقة نظيفة وبأسعار معقولة
الهدف (8) العمل اللائق والنمو الاقتصادي
الهدف (9) الصناعة والابتكار والبنية التحتية
الهدف (10) الحد من عدم المساواة
الهدف (11) المدن والمجتمعات المستدامة
الهدف (12) الاستهلاك والإنتاج المسؤولان
الهدف (13) العمل المناخي
الهدف (14) الحياة تحت الماء
الهدف (15) الحياة في البر
الهدف (16) السلام والعدالة والمؤسسات القوية
الهدف (17) عقد الشراكات لتحقيق الأهداف
الجامعات والتنمية المستدامة
للجامعات مكانة فريدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ فهي المؤسسات الرئيسية المعنية على الصعيد العالمي بإنتاج المعارف العلمية والتقنية والاجتماعية. فمن خلال البحوث العلمية، تلعب الجامعات دوراً فريداً في إنتاج معارف وابتكارات جديدة لمواجهة التحديات العالمية. ومن خلال التدريس، تطوِّر أجيالاً من القادة الجدد والمهنيين المهرة القادرين على تشخيص التحديات ومعالجة المشكلات التي تواجه مجتمعاتهم فيما يخص الركائز الثلاث للتنمية المستدامة وهي: التنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية. ومن خلال المشاركة المجتمعية، تعمل الجامعات مع مجموعة متنوعة غنية من أصحاب المصلحة بما في ذلك الحكومات، والقطاع الخاص، والمجتمع الأهلي، للمساهمة في التأثير المحلي والوطني والعالمي.
من هذا المنطلق، عبّر العديد من جامعات العالم عن اهتمامه الشديد بالانخراط في أجندة التنمية المستدامة عبر إدخال برامج تعليمية جديدة لتأهيل قادة الغد وإعدادهم لمواجهة تحديات التنمية المستدامة، وهي تحديات متعددة المجالات. وقد تجلى اهتمام الجامعات هذا باعتماد برامجها البحثية حول التنمية المستدامة في موضوعات منها الفقر، والطاقات المتجددة، والتغير المناخي، وتسوية النزاعات، وغيرها، وكذلك من خلال نشاطاتها وممارساتها على صعيد الحرم الجامعي كتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الحرم الجامعي وصولاً إلى الحرم الجامعي المحايد للكربون وغيرها من النشاطات. يُضاف إلى هذا انخراط الجامعة في برامج التواصل والريادة من خلال تشبيك الأطراف المعنية الرئيسية كافة من الحكومة ومؤسسات الأعمال والمجتمع الأهلي والأوساط الأكاديمية، للتعاون معاً من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
أنظمة تصنيف الجامعات وفق مؤشرات التنمية المستدامة
طرحت مؤسسة تايمز البريطانية عام 2019 نظاماً جديداً لتصنيف الجامعات هو: «تصنيف الجامعات وفق أثرها العالمي» Global Impact Ranking. وقد استند هذا التصنيف بشكل أساسي إلى كيفية عمل الجامعات من أجل تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة السبعة عشر المشار إليها أعلاه.
تقيّم هذه التصنيفات التزام الجامعة بالاستدامة على المستوى المؤسسي والمحلي والوطني والإقليمي والعالمي، وفق طيف واسع من المعايير.
في جداول التصنيف التي صدرت في الأول من شهر حزيران 2023، هيمنت الجامعات الأسترالية والكندية على المراكز العشرة الأولى، لكن الجامعات الأسترالية احتلت المركز الأول في تحقيقها لسبعة أهداف من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.
فقد احتلت جامعة ويسترن سيدني Western Sydney University المرتبة الأولى في الجدول العام للعام الثاني على التوالي، وجاءت جامعة تسمانيا في المركز الخامس، والمعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن في المركز السابع. وكانت هناك أيضاً أربع جامعات من كندا في المراكز العشر الأولى هي: جامعة كوينز في المركز الثالث، وجامعة ألبرتا في المركز السابع (بالمشاركة مع المعهد الملكي للتكنولوجيا في ملبورن)، وجامعتي فيكتوريا وويسترن في المركز التاسع.
وضمن المراكز العشرة الأولى، جاءت جامعة مانشستر الانكليزية في المرتبة الثانية، وجامعة سينس الماليزية في المركز الرابع، وجامعة ولاية أريزونا بالولايات المتحدة في المرتبة السادسة، كما احتلت جامعة البورج الدانمركية المرتبة التاسعة.
وبشكل عام امتلكت جامعات المملكة المتحدة أكبر عدد من الجامعات ضمن أفضل 100 جامعة، ولها 26 جامعة، تليها كندا بـ16 جامعة، وأستراليا 15 جامعة.
واحتلت جامعة سينس الماليزية (التي جاءت في المركز الرابع عالمياً) المرتبة الأولى ضمن الجامعات الآسيوية، كما جاءت جامعة المكسيك الوطنية المستقلة في المرتبة 32 عالمياً، والمرتبة الأولى ضمن جامعات أميركا اللاتينية، وكذلك جامعة جوهانسبرغ التي احتلت المرتبة 46 عالمياً، والمرتبة الأولى على صعيد الجامعات الإفريقية.
الترتيب حسب الأهداف الفردية للتنمية المستدامة
هيمنت الجامعات الأسترالية على المراكز الأولى في أهداف التنمية المستدامة الفردية أيضاً، حيث احتلت المركز الأول في سبعة أهداف من أصل 17 هدفًا.
واحتلت الجامعات الأوروبية المرتبة الأولى في أربعة أهداف هي: الهدف 3 – «الصحة الجيدة والرفاهية»، والهدف 6 – «المياه النظيفة والصرف الصحي»، والهدف 9 – «الصناعة والابتكار والبنية التحتية»، والهدف 15 – «الحياة على الأرض».
واحتلت الجامعات الآسيوية المرتبة الأولى في ثلاثة أهداف هي: الهدف 7 – «طاقة نظيفة وبأسعار معقولة»، والهدف 8 – «العمالة اللائقة والنمو الاقتصادي»، والهدف 16 – «السلام والعدل والمؤسسات القوية».
واحتلت الجامعات الإفريقية المركز الأول في هدفين: الهدف 1 – «القضاء على الفقر»، والهدف 4 – «التعليم الجيد». كما احتلت جامعات أميركا الشمالية المرتبة الأولى في هدفين: الهدف 2 – «القضاء على الجوع»، والهدف 11 – «المدن والمجتمعات المستدامة». ومع ذلك، فمن الملاحظ أن الجامعات الأميركية لم تحتل المرتبة الأولى في أي هدف من الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة، ما يعدُّ تناقضاً حاداً مع أدائها في التصنيفات التقليدية التي تهيمن عليها.
منهجية التصنيف
ووفقاً لمؤسسة تايمز للتعليم العالي، يجري حساب النتيجة النهائية للجامعة في الجدول العام من خلال دمج درجاتها في الهدف السابع عشر مع أعلى ثلاث درجات من بين الأهداف الستة عشر المتبقية. يمثل الهدف 17 من أهداف التنمية المستدامة 22% من النتيجة الإجمالية، في حين يزن كل هدف من أهداف التنمية المستدامة الأخرى بنسبة 26%. وهذا يعني أن الجامعات يتم تسجيلها بناءً على مجموعة مختلفة من أهداف التنمية المستدامة، اعتماداً على المجالات التي تركّز عليها في عملها.
تقيَّم مساهمة الجامعة في أهداف التنمية المستدامة الفردية على أساس مقاييس البحث العلمي (27%) وغيرها من المعايير القائمة على الأدلة والإثبات. فعلى سبيل المثال، يستند الهدف 1 (القضاء على الفقر) إلى البحوث العلمية التي تتمحور حول الفقر، بما في ذلك القيمة العلمية للبحث والاستشهادات، وعدد الأوراق البحثية التي شاركت الجامعة في تأليفها مع جامعة يقع مقرها في بلد منخفض أو متوسط الدخل. ومن العوامل الأخرى، نسبة الطلاب الذين يتلقون مساعدات مالية؛ وفيما إذا كان هناك دليل على وجود برامج جامعية لمكافحة الفقر تقدِّم دعماً للطلاب والمجتمع على حد سواء.
جامعاتنا بالنسبة لهذا التصنيف
من الأجدى أن تركِّز جامعاتنا على الدخول في نظام تصنيف الجامعات وفق أثرها العالمي، وذلك أولاً لأن أنظمة التصنيف العالمية التفليدية كنطام QS، وتايمزTHE، وشنغهاي جياو تونغ تعطي ثقلاً كبيراً لمخرجات الجامعة من البحث العلمي، ما يشكِّل عقبة كبيرة أمام جامعاتنا التي تتصف بشكل عام بضآلة مخرجاتها من البحث العلمي على الصعيد الدولي؛ وثانياً- لأن جامعاتنا، شأنها في ذلك شأن العديد من جامعات العالم، يجب أن تكون معنية بالتحديات المشتركة التي تواجهنا جميعاً على الصعيد العالمي وبإيجاد حلول لها، تحديات متمثّلة في تغيّر المناخ، والفقر المدقع، والعدالة الاجتماعية، وغيرها من التحديات.
من المؤسف ألا يكون لجامعاتنا السورية وجود على جداول تصنيف التأثير العالمي للجامعات، أسوة بالعديد من الجامعات في المنطقة العربية والعالمية، ولاسيما أن الجامعات السورية الحكومية ملتزمة بعدد من أهداف التنمية المستدامة على المستوى المؤسسي والمحلي والوطني، وأهمها الهدف الأول «محاربة الفقر»، وذلك تطبيقاً لسياسة مجانية التعليم التي تنتهجها الدولة في المؤسسات التعليمية الحكومية؛ فضلاً عن تسهيلات السكن الجامعي والقروض الطلابية التي تؤمن للأكثر حاجة. كما أنها تحقق المبدأ الخامس «المساواة بين الجنسين»، إذ يخضع الطلاب كافة للقوانين والأنظمة نفسها من دون أي تمييز بين الجنسيين.
أمّا بالنسبة للجامعات الخاصة، فهي من حيث المبدأ جامعات ربحية، وهذا يعني أنه يصعب عليها تحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة. ، وإن كانت تقدّم، وفق شروط معيّنة، عدداً بسيطاً من مقاعدها بالمجان إلى الطلاب المتفوقين وغير القادرين على تحمل عبء الرسوم الجامعية المرتفعة.
ومع ذلك، وضمن هذا الإطار، ومن منطلق الحرص على أن تضطلع الجامعة بدور أكبر في التنمية المجتمعية ومحاربة الفقر والمساهمة في تحقيق عدالة الفرص، كان لبعض الجامعات السورية دور ريادي في وضع الخدمة المجتمعية والتنمية المستدامة ضمن رؤيتها البعيدة المدى وأهدافها الإستراتيجية، وفي انتهاج سياسات تخدم هذا التوجه وتكرّسه نموذجاً جديداً في منظومة التعليم العالي الخاص في سورية ومثالاً يحتذى به. هذا هو حال جامعة المنارة الخاصة التي خطت منذ تأسيسها الخطوة الأولى على هذا الطريق وسعت سعياً حثيثاً لتحقيق أهدافها في تمكين الشباب واحتضان التميز وصولاً إلى تنمية مجتمعية مستدامة. وبعد أن حققت خطوات ملموسة في هذا الاتجاه وتكرّس دورها التنموي، بدأت تسعى للحصول هلى تصنيف عالمي، فكان من الطبيعي أن يقع اختيارها على أنظمة تصنيف الجامعات وفق مؤشرات التنمية المستدامة. شُكِّلت لجنة لدراسة المعايير التي تقوم عليها عملية التصنيف بدقة، وتمّ اختيار المجالات التي تتميز بها لاعتمادها كأساس للتقدم على سلّم التصنيف، وهي الأهداف الثلاثة الآتية:
الهدف 1: «القضاء على الفقر »، إذ دأبت منذ تأسيسها على تقديم منح دراسية للطلاب غير القادرين على تحمل أعباء الأقساط الجامعية، وأحدثت اختصاصات معنية بخدمة المجتمع قدِّمت فيها لكل الطلاب المقبولين منحاً دراسية كاملة دعماً لهم وتشجيعاً على الانتساب إلى تلك الاختصاصات غير التقليدية.
الهدف 3: «الصحة الجيدة والرفاهية»، حيث تساهم الجامعة من خلال كلية طب الأسنان في تحسين الصحة الفموية لأفراد المجتمع وإعداد خريجين ذوي خبرة سريرية عالية وجاهزية مميزة للممارسة العملية وتقديم الخدمات الطبية لمرضى الفم والأسنان؛ ومن خلال كلية الصيدلة في إمداد المجتمع بخريجين من ذوي الجودة العالية في مختلف الاختصاصات والمهن الصيدلانية لتطوير الصناعات الدوائية وتحسين نوعية الخدمات الطبية؛ ومن خلال برنامج التأهيل الوظيفي بإعداد وتأهيل كوادر قادرة على إجراء تقييم وظيفي ووضع خطط علاجية للأشخاص ذوي الإعاقة بهدف تحسين حالتهم الوظيفية ومساعدتهم على تحقيق استقلالية أكبر بأداء مهامهم. كما تقدم الجامعة من خلال دعم مشروع «جريح وطن» منح دراسية مجانية لأكثر من 20 جريحاً باختصاصات إدارة الأعمال والهندسة المعمارية والصيدلة وغيرها والتي تتيح لهم فرص التعلم المجاني وصولاً إلى التخرج وتحقيق الطموحات.
الهدف 11: «المدن والمُجتمعات المحلية المُستدامة»، من خلال كلية العمارة والمشاريع التي تُطرح فيها والخاصة بمعالجة مشاكل المدن ووضع حلول لها وتحويلها إلى إطار مستدام.
يُضاف إلى ما سبق الالتزام بالهدف 17 وهو هدف إلزامي:
الهدف 17: «الشراكة من أجل تحقيق أهداف التنمية المُستدامة»، حيث تُشارك جامعة المنارة بمشروع أوروبي هدفه دعم التراث التقليدي للحرف اليدوية والمساعدة على التدريب والتصميم والتسويق لهذه الحرف، وقد بنت الجامعة من خلال هذه المشروع العديد من الشراكات مع أصحاب هذه المهن التقليدية.
وتقوم الجامعة حالياً بإدخال المعطيات اللازمة بالتنسيق مع الجهة المسؤولة عن هذا التصنيف وستكون جميع المعلومات جاهزة قبل صدور النسخة القادمة من التصنيف. والجامعة تأمل أن تكون أول جامعة سورية تدخل جداول تصنيف الجامعات وفق تأثيرها العالمي.
سيرياهوم نيوز1-الوطن