حسيبة صالح:
أنفلونزا الطيور هو مرض فيروسي معدٍ يصيب الطيور بشكل أساسي، وخاصة الدواجن والطيور المائية والبرية، ينتشر عبر الطيور المهاجرة ويسبب نفوقًا كبيرًا في الطيور الداجنة، مع إمكانية انتقال محدودة إلى البشر عند مخالطة المصابين عن كثب.
أخطر أنواعه حاليًا هو الفيروس H5N1 الذي بدأ منذ عام 2021 بالانتشار بقوة عالميًا، وسُجلت حالات في أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا، ما جعله مصدر قلق عالمياً للصحة العامة والأمن الغذائي.
الوضع في أوروبا
يشرح المهندس الزراعي غسان الشماس لـ”الحرية”، أن أوروبا تُعد اليوم الأكثر تضررًا من التفشي، حيث سجلت فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبولندا خسائر كبيرة، فيما انتشر الفيروس بين الطيور البرية في ألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة.
ويضيف: “تواجه أوروبا سرعة انتشار مرتفعة بسبب كثافة المزارع الصناعية وطرق التجارة المكثفة، إضافة إلى مسارات هجرة الطيور البرية التي تعبر القارة.”
أما عن الإجراءات، فيؤكد الشماس أن الحكومات الأوروبية تطبق تدابير صارمة تشمل:
• الإعدام الصحي للقطعان المصابة.
• فرض مناطق حجر ومنع الحركة.
• إلزامية إيواء الدواجن خلال مواسم الهجرة.
ويشير إلى أن سرعة الانتشار في أوروبا تختلف عن آسيا وأفريقيا، حيث يرتبط التفشي هناك أكثر بالمزارع التقليدية وضعف الرقابة، ما يزيد من صعوبة السيطرة.
المخاطر على سوريا والمنطقة
يؤكد الشماس أن سوريا ليست بمنأى عن الخطر، إذ يمكن أن يصل الفيروس عبر:
• الطيور المهاجرة التي تمر عبر سوريا في مواسم الهجرة (مثل الأوز والبط).
• التجارة غير النظامية للدواجن أو منتجاتها.
• الاستيراد غير المراقب من الدول الموبوءة.
ويضيف الشماس: “هذا الواقع قد ينعكس على أسعار الدواجن والبيض محليًا، نتيجة حظر الاستيراد أو ارتفاع تكاليف الإنتاج، ما يضغط على الأمن الغذائي ويثقل كاهل المستهلكين والمزارعين على حد سواء.”
البعد الصحي والاقتصادي
رغم أن إصابة الإنسان بأنفلونزا الطيور لا تزال نادرة، إلا أن الشماس يحذر من إمكانية تحور الفيروس ليصبح أكثر قدرة على الانتقال بين البشر، كما حدث مع أنفلونزا الخنازير (H1N1) عام 2009.
ويقول الشماس: “كل إصابة جديدة في الطيور، تمثل فرصة إضافية لتحور الفيروس واكتساب قدرة أعلى على الانتقال بين البشر. ورغم عدم وجود دليل حتى الآن على انتقال مستدام بين البشر، إلا أن الخطر النظري قائم ويستوجب الجاهزية لا الانتظار.”
الانعكاسات الصحية المحتملة تشمل:
• ارتفاع خطر ظهور سلالات جديدة أكثر عدوى.
• ضغط محتمل على الأنظمة الصحية في حال حدوث انتقال بشري.
• الحاجة إلى خطط طوارئ ولقاحات احترازية مبكرة.
أما اقتصاديًا، فيؤكد الشماس أن التفشي يؤدي إلى:
• إعدام جماعي للدواجن وخسائر مباشرة للمزارعين.
• ارتفاع أسعار اللحوم البيضاء والبيض، خاصة في الدول ذات الدخل المحدود.
• اضطراب سلاسل الإمداد الغذائية والتجارية.
الأمن الغذائي العالمي والخطط الدولية
يشير الشماس إلى أن الأزمة لا تتوقف عند حدود الدول، بل تهدد الأمن الغذائي العالمي، حيث يؤدي انخفاض إنتاج الدواجن والبيض إلى ارتفاع أسعار البروتين الحيواني، ويؤثر سلبًا على سبل عيش صغار المزارعين.
ويضيف أن هناك خططًا دولية مشتركة، حيث تتعاون منظمة الصحة العالمية (WHO) والمنظمة العالمية لصحة الحيوان (WOAH) وبرنامج الأغذية العالمي في:
• المراقبة والإنذار المبكر.
• دعم الدول النامية في بناء أنظمة رقابية.
• تطوير لقاحات بيطرية وربما بشرية مستقبلًا.
المستقبل والوقاية
يؤكد الشماس أن الهاجس الأكبر عالميًا هو تحور الفيروس ليصبح أكثر انتقالًا بين البشر، خاصة مع استمرار الانتشار الواسع بين الطيور في عدة قارات. ويقول:
“التجارب السابقة، مثل أنفلونزا الخنازير، تذكرنا أن الفيروسات الحيوانية قد تتحول فجأة إلى تهديد بشري واسع. لذلك، تبقى المراقبة المبكرة والاستجابة الوقائية خط الدفاع الأساسي.”
أما الدروس المستفادة من أوروبا فهي:
• أهمية تطبيق الإجراءات الوقائية الصارمة مبكرًا.
• ضرورة التعاون الإقليمي في تبادل المعلومات.
• الحاجة إلى توعية مربي الطيور.
مؤكداً على أن الموازنة بين الصحة العامة وقطاع الدواجن تتطلب:
• تشجيع الممارسات الزراعية الآمنة (مزارع مغلقة، نظافة).
• دعم المزارعين ماليًا وفنيًا للالتزام بالإجراءات.
• إشراك المجتمع المحلي في الرصد والإبلاغ.
هل تصلنا التداعيات؟
ويختم المهندس غسان الشماس حديثه قائلاً: “أنفلونزا الطيور اليوم ليست مجرد مرض يصيب الطيور، بل قضية ترتبط بالصحة العامة والأمن الغذائي والاقتصاد العالمي.
ومع استمرار انتشاره في أوروبا، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تصل التداعيات إلى سوريا؟ الجواب يعتمد على مدى جاهزيتنا في المراقبة والوقاية، وعلى قدرتنا في الموازنة بين حماية صحة الإنسان ودعم قطاع الدواجن الذي يشكّل ركيزة أساسية في غذاء الناس ومعيشتهم.
إن الاستعداد المبكر ليس خيارًا، بل ضرورة، لأن الفيروس لا يعرف حدودًا، والوقاية وحدها هي التي تصنع الفارق بين أزمة عابرة وكارثة عالمية.”
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية
syriahomenews أخبار سورية الوطن
