محمد نور الدين
تتسارع الخطوات التركية لترجمة ما أعلنه الرئيس رجب طيب إردوغان، في الرابع من آذار الجاري، من عزم بلاده التخلُّص نهائيّاً من «حزب العمال الكردستاني» في شمال العراق وسوريا، بحلول الصيف المقبل. وإذا كان الوضع في الشمال السوري معقّداً، نظراً إلى أنه يحتاج إلى تفاهمات مع القوات الأميركية الموجودة في شمال شرقي الفرات، فإن الوضع على الجبهة العراقية مختلف، حيث يمكن أن تكون للأتراك حرّية عمل أكبر. ويريد إردوغان، وفقاً لما صرّح به، السيطرة على حزام جغرافي وأمني بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً، بدءاً من العراق. ومن هذه الخلفية، تُفهم الزيارة «المفاجئة» التي أجراها وفد تركي رفيع المستوى، ضمّ وزيرَي الدفاع ياشار غولر، والخارجية حاقان فيدان، ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالين، إضافة إلى نائب وزير الداخلية منير قارال أوغلو، إلى بغداد، يوم الخميس الماضي، علماً أن أعضاء الوفد زاروا فرادى العاصمة العراقية قبل شهرين تقريباً. وبدت هذه الزيارة كمقدّمة لتلك التي قيل إنّ إردوغان سيقوم بها إلى بغداد في النصف الثاني من نيسان المقبل. وعقد الوفد «الأمني» التركي اجتماعات مع قيادات أمنية عراقية، مثل نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية فؤاد حسين، ووزير الدفاع ثابت رضا العباسي، ووزير داخلية إقليم كردستان ريبار أحمد خالد، ومستشار الأمن القومي العراقي، ورئيس «الحشد الشعبي»، ونائب رئيس الاستخبارات. وممّا جاء في مقدّمة البيان المشترك الصادر عن الاجتماع، إنشاء «إطار إستراتيجي» للعلاقات الثنائية وآليات اتصال منتظمة، فيما أكدّ الجانبان أن «تنظيم حزب العمال الكردستاني يمثّل تهديداً أمنيّاً لكلٍّ من تركيا والعراق»، وتباحثا في الإجراءات الواجب اتّخاذها ضدّه. وتقرَّر أيضاً، بحسب النصّ، إنشاء «لجان دائمة مشتركة» لبحث مجالات التعاون التجاري والزراعي والطاقة والمياه والصحة والنقل». ولم يفت البيان أن يذكر أنه جرى البحث في «سبل دعم القضية الفلسطينية». ورغم اللهجة المشتركة في البيان، إلا أنه بدا لافتاً أنه لم يصف «العمال الكردستاني» بالتنظيم «الإرهابي»، بل اكتفى باعتباره تنظيماً «محظوراً». كذلك غابت عنه أيّ إشارة إلى «طريق التنمية» الذي تسعى تركيا، ومعها الإمارات وقطر والعراق، إلى إنشائه من خليج الفاو إلى الحدود التركية.
وفيما تستمرّ العمليات العسكرية التركية، منذ سنوات، ضدّ الحزب في شمال العراق، غير أن مقاتلي «الكردستاني» لا يزالون متواجدين في مناطق مهمّة هناك، حيث نفّذوا عمليتَين استهدفتا قاعدتَين عسكريتَين تركيتَين في منطقة متينا، في شهرَي كانون الأول وكانون الثاني الماضيَين، ما أدى إلى مقتل نحو 20 جندياً تركيّاً، وضاعف تالياً الضغوط التركية على حكومة بغداد وقيادة إقليم كردستان لـ«تنظيف» المنطقة من عناصر الحزب. ووفقاً للبيان المشترك وبعض المواقف والتصريحات، فإن بغداد ربما تكون في وارد التعاون، ولكن ليس بالضرورة بصورة واسعة، حتى لا يؤدي ذلك إلى نتائج غير محسوبة على الوضع الداخلي العراقي، وخصوصاً أنها ترى أن المشكلة القائمة بين أنقرة و«الكردستاني» ليست فقط نتيجة تمركز عناصر الأخير في شمال العراق، بل أيضاً نتيجة عدم رغبة أنقرة في إيجاد حلّ نهائي لمشكلة تركية داخلية يَترك عدم حلّها تداعيات سلبية على دول الجوار. ومع ذلك، يمكن أن تنجح تركيا، بحدود معينة، في استمالة العراق للتضييق على «حزب العمال»، في مقابل ثمن تريده بغداد وتعتبره أساسيّاً ومن حقّها، أي التزوّد بحصة كافية من مياه نهرَي الفرات ودجلة. والجدير ذكره، هنا، أن تراجع كميات المياه الممرَّرة من تركيا عبر النهرَين، أدى إلى نشوء موجة جفاف غير مسبوقة في العراق، وإلى تحويلهما لدى مرورهما في هذا البلد إلى ساقيتَين؛ ولذا، تحمّل بغداد، أنقرة، مسؤولية «حجز» مياه النهرَين لأسباب سياسية، عبر عشرات السدود التي أنشأتها تركيا داخل أراضيها.
يمكن أن تنجح تركيا، بحدود معينة، في استمالة العراق للتضييق على «حزب العمال الكردستاني»
أمّا «طريق التنمية»، وعلى الرغم ممّا قد يوفّره من مزايا تنموية، غير أن الأبعاد السياسية والعرقية (استبعاد مرور الطريق من المنطقة الكردية والمخاوف الإقليمية من أهدافه)، قد تعطّل تنفيذ المخطّط وفقاً لرغبة أنقرة. وفي هذا الجانب، يرى الكاتب التركي، مراد يتكين، أن الاتفاق التركي – العراقي، ودخول البلدَين في علاقات سياسية واقتصادية استراتيجية، من شأنهما أن «يغيّرا المعادلة في الشرق الأوسط»؛ إذ إن «أهم نقطتَين في العلاقات، هما الأمن والثقة، وعندما تتأسّس هذه العلاقة، يمكن لإردوغان خلال زيارته المقبلة إلى بغداد أن يتوصّل إلى اتفاق بسهولة مع المسؤولين العراقيين». ووفقاً ليتكين، فإن زيارة الوفد التركي إلى بغداد، تكتسب أهمية كبيرة، ولا سيما أنها جاءت بعد زيارته إلى واشنطن التي جدّدت اعتبار «الكردستاني» تنظيماً «إرهابيّاً». ويقول الكاتب إن «الأمن مفتاح استئناف ضخّ النفط عبر خطَّي أنابيب النفط من الموصل وكركوك إلى يومورطاليق في تركيا، كما البدء في تنفيذ مشروع طريق التنمية».
من جهته، يقول الباحث في شؤون الإرهاب، عبد الله آغار، إنّ «مناطق متينا وزاب وغارا ستكون لها الأولوية لتنظيفها من عناصر حزب العمال، وستكون العملية غير مسبوقة وسريعة». أمّا الباحث الآخر في شؤون الإرهاب، إيراي غوتشلوير، فيرى أن «مشاركة الحشد الشعبي في لقاءات بغداد، مهمّة، لأنه يعدّ حوالى مئة ألف عنصر»، مبيّناً أن «العملية سيتولّاها الجيش التركي من الشمال، وقوات البشمركة والحكومة والعشائر العربية والتركمان من الجنوب». وبحسب السفير المتقاعد، فاتح جيلان، فإنه «من المهمّ معرفة حجم الدعم الذي سيقدّمه الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، وبالتالي المجموعات التي لإيران نفوذ عليها». ويضيف: «سنكون متفائلين في حال انتهى حزب العمال. لكنه سيصبح أضعف بكثير. ومن المهمّ معرفة مواقع اللاعبين الآخرين في المنطقة».
في المقابل، دعت لجنة العلاقات الخارجية في «الكردستاني»، في بيان مكتوب، المسؤولين العراقيين بكل توجّهاتهم، إلى أن لا يكونوا شركاء لتركيا في عملية «الإبادة الجماعية» للشعب الكردي. وكتبت صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا» التابعة للحزب، أن «تركيا دخلت المرحلة الأخيرة من احتلال شمال العراق وسوريا بالعمل على ضمّ 15 ألف كيلومتر مربع من العراق، و27 ألف كيلومتر مربع من سوريا»، فيما «يخفي إردوغان حقيقة عمله، بوصف هذه المساحة بالممرّ»، وخصوصاً أن «كل السلطات التركية المتعاقبة كانت تعمل على توسيع سيطرة أنقرة على أراضي جيرانها، من أتاتورك إلى إردوغان». ورغم أن التدخّل التركي يرتكز على أطروحة «الميثاق الملّي»، غير أن الهدف البعيد هو «العودة إلى حدود الدولة العثمانية»، بحسب الصحيفة.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية