| محمد نور الدين
بهدوء، تتقدّم العلاقات التركية – الإسرائيلية نحو التطبيع الكامل. وبعد أقلّ من سنة من بدء مباحثات التطبيع، تعود العلاقات الديبلوماسية كاملة على مستوى السفراء، وفق ما أفاد به بيان لرئاسة الوزراء الإسرائيلية صدر يوم الأربعاء الماضي، إثر اللقاء الذي حصل في اليوم نفسه بين مديرَي وزارتَي خارجية الجانبَين، ألون أوشبيز وسادات أونال. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، في بيان، «إعادة العلاقات مع تركيا» بأنها «قيمة مهمّة لاستقرار المنطقة وللمواطنين الإسرائيليين»، فيما عدّها رئيس الكيان، إسحاق هرتزوغ، في تغريدة باللغة التركية، «تطوُّراً مهمّاً لتحفيز العلاقات الاقتصادية والسياحة المتبادلة والصداقة بين الشعبَين». أمّا تركيا، فاكتفت باعتبار ما جرى مآلاً طبيعياً للمسار الذي بدأ بعد صعود الحكومة الإسرائيلية الجديدة، مُذكّرة، على لسان وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، بأنه بعد زيارة هرتسوغ إلى تركيا، وزيارته هو لإسرائيل، ومن ثمّ زيارة لابيد (عندما كان وزيراً للخارجية) لتركيا، جرى توقيع اتّفاق الطيران، كما حصلت اجتماعات اقتصادية مشتركة، وفي النهاية كان قرار تعيين السفراء، علماً أن الأنباء عن هذه الخطوة الأخيرة كان قد شاعت منذ أواخر العام الفائت. واستباقاً لردود فعل فلسطينية محتمَلة على القرار، أكد أوغلو أن بلاده «ستنقل هموم الفلسطينيين على مستوى السفراء وستُواصل الدفاع عن الشعب الفلسطيني»، فيما رحّب السفير الأميركي في أنقرة بالخطوة، شأنه شأن تنظيمات يهودية مختلفة منها «المجلس اليهودي الأوروبي».
وكانت تركيا، بعد فترة ذهبية في العلاقات بينها وبين إسرائيل بدأت منذ وصول «حزب العدالة والتنمية» إلى السلطة عام 2002، سحبت سفيرها أوغوز تشيليك كول من تل أبيب، إثر الهجوم الإسرائيلي على سفينة «مافي مرمرة» عام 2010. ومع إبرام اتّفاق تطبيع العلاقات في 27 حزيران 2016، عاد السفيران إلى مراكز عملهما، لكن أنقرة ما لبثت أن عادت وسحبت سفيرها عام 2018، بعدما اعترف الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بالقدس «عاصمة موحّدة» لإسرائيل، ومنذ ذلك الحين بقي المنصبان شاغرَين، إلى أن عاود الجانبان اتّصالاتهما على أعلى مستوى. ومع هذا، فإن العلاقات التركية – الإسرائيلية التجارية لم تتأثّر بالتوتّرات السياسية، بل وصلت إلى رقم قياسي نهاية العام الماضي قارب التسعة مليارات دولار. كما تَواصل تدفُّق السياح وتبادل البعثات والوفود الصحافية والرياضية، فيما العديد من الملفّات الخارجية شكّلت موضع تقاطع بل والتقاء، مِن مِثل العداء المشترك للنظام السوري، والدعم المشترك والوازن لأذربيجان ضدّ أرمينيا. إلّا أن مسألة دعم أنقرة لحركة «حماس» ظلّت على رأس الموضوعات الخلافية بين الجانبَين. ومع أن تسوية «مافي مرمرة» حملت تنازلات تركية مهمّة على صعيد التخلّي عن شرط رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة، غير أن أنقرة لا تزال تدافع بأن التطبيع مع تل أبيب يتيح لها القيام بدور مساعد في تحسين وضع الفلسطينيين.
ثمّة شبه إجماع في تركيا على أن مسار التطبيع إنّما يستهدف، بشكل أساسي، فتْح باب التعاون الاقتصادي
لكنّ ثمّة شبه إجماع في تركيا على أن مسار التطبيع إنّما يستهدف، بشكل أساسي، فتْح باب التعاون الاقتصادي على مصراعَيه، وتوفير مدْخل لإقناع البيت الأبيض بتخفيف ضغوطه على الاقتصاد التركي، تمهيداً للوصول إلى انتخابات الرئاسة التركية في حزيران 2023، وقد تَحسّن الاقتصاد الذي تعكس استطلاعات الرأي التأثير السلبي لتدهوره – تخطّى سعر صرف الدولار أمس الـ18 ليرة – على شعبية إردوغان. أمّا بالنسبة إلى مطلب إسرائيل وقف الدعم التركي لحركة «حماس»، فإن أنقرة تُبدي مرونة في اتّجاه الحدّ من نشاط قياديّي الحركة، من دون الذهاب إلى القطع الكامل معها. وبخصوص إيران، وعلى الرغم من العلاقات الجيّدة معها، فإن تركيا لا تتردّد في التعاون مع إسرائيل في ملفّات أمنية مرتبطة بالأولى، كما حصل أخيراً حين أحبطت الاستخبارات التركية، تبعاً لأنقرة، «مخطَّطاً» إيرانياً لاستهداف إسرائيليين في تركيا. ولا ينفصل التطبيع التركي مع إسرائيل عن ذلك الجاري مع الإمارات والسعودية وربّما لاحقاً مصر وسوريا، مع فارق أن تركيا اعترفت بالكيان العبري في العام التالي لتأسيسه، وكانت أوّل دولة مسلمة تفعل هذا. ويرى مراقبون أتراك أن رفع مستوى العلاقات بين أنقرة وتل أبيب سيساهم في تخفيف التوتّر في المنطقة، خصوصاً أن تركيا كانت مستهدَفة من دول شرق المتوسّط على صعيد مشاريع الطاقة وتسويقها إلى أوروبا، علماً أن تل أبيب أعلنت أن علاقاتها مع أنقرة لن تكون على حساب تلك التي تَجمعها باليونان وقبرص الجنوبية ومصر.