| علاء حلبي
بعد أيام من سلسلة اجتماعات عقدها المسؤولون الروس مع نظرائهم الأتراك في إسطنبول، وبعد بضع ساعات من اتّصال هاتفي بين الرئيسَين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، أعاد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الحديث عن انفتاح بلاده على إعادة العلاقات مع دمشق، واضعاً قضية اللاجئين السوريين في مقدّمة القضايا التي ترغب بلاده في حلّها. وجاء ذلك في وقت أعاد فيه إردوغان التذكير بموقف بلاده الرافض للسياسة الأميركية في سوريا، مجدّداً اتّهام واشنطن بـ«دعم الإرهاب»، في ما يبدو متساوِقاً والأرضية التي وضعتها موسكو للتقارب بين أنقرة ودمشق، والمتمثّلة في رفْض الوجود الأميركي في سوريا وسحْب ورقة اللاجئين من طاولة المفاوضات. وعلى رغم التشاؤم الذي يسود الأوساط السياسية والإعلامية في تركيا في شأن إمكانية المصالحة مع سوريا، وأيضاً العقبات التي لا تزال تعترض طريق تطبيق الخطّة الروسية البديلة من العملية التركية البرّية في الشمال السوري، إلّا أن التطوّرات الأخيرة تنبئ بأن موسكو استطاعت تجميد النيّة التركية مؤقّتاً، وأن طريق أنقرة – دمشق (السياسية) ليست مغلَقة تماماً
على الرغم من الهدوء النسبي في الشمال والشمال الشرقي من سوريا، والذي أعقب التصعيد الجوّي التركي ضدّ مواقع تُسيطر عليها «قسد»، لا تزال تدور شكوك حول إمكانية إقدام أنقرة على شنّ عملية برّية محدودة، تستهدف بشكل أساسي تل رفعت، ومِن بَعدها منبج وعين العرب (كوباني). وممّا يعزّز تلك الشكوك استمرار تعنّت «قسد»، وعدم وفائها بتعهّدات عديدة سابقة، آخرها، وفق ما توضحه مصادر كردية تحدّثت إلى «الأخبار»، قبولها بسحب قوّاتها من المناطق الثلاث، والإبقاء على قوات الأمن الداخلي التابعة لها (الأسايش) فيها، ودخول قوات الجيش السوري إليها وعودة الدوائر الحكومية السورية للعمل فيها، وفق العرض الذي قدّمته موسكو لأنقرة كبديل من العملية البرّية. وتَكشف المصادر أن ثمّة إشارات عديدة وصلت إلى قيادات «قسد» تُفيد بتراجع تركيا، في الوقت الحالي، عن تنفيذ تهديداتها، مستدرِكةً بأن حالة الهدوء النسبي قد تعود إلى الاشتعال في أيّ وقت نتيجة الاستفزاز الأميركي الذي يبدو متعمَّداً لأنقرة، في محاولة واضحة لضرب الخطة الروسية، مُبيّنةً، في هذا السياق، أن واشنطن أعادت نشْر قوّاتها في نقاط عديدة انسحبت منها في وقت سابق، بالإضافة إلى تقديمها أسلحة نوعية لمقاتلي «قسد» تحت عباءة «محاربة داعش»، أبرزها مدافع «هاوتزر M777» من عيار 155 ملم، ما قد يفسّر النبرة الحادّة التي تحدّث بها أخيراً الرئيس التركي ضدّ واشنطن.
وأمام تصعيد الولايات المتحدة الميداني غير المباشر، ورفضها العلني أيّ تقدّم برّي في عين العرب ومنبج، من دون التطرّق إلى تل رفعت، يسود الأوساطَ الكردية اعتقادٌ بأن الخطّة التي تَقدّمت بها موسكو، من الممكن أن تنفَّذ في تل رفعت فقط، في حال موافقة تركيا عليها، علماً أن الأخيرة لم تُعطِ أيّ إجابة حتى الآن. كذلك، تدور نقاشات قيادات «قسد» المتطرّفة في مُوالاتها لواشنطن، وتلك المنفتِحة على موسكو ودمشق، حول إمكانية الوفاء بهذا الالتزام من عدمه، في ظلّ محاولة مَن باتوا يُعرفون بـ«صقور واشنطن» المستمرّة للربط بين ملفّ الوساطة الروسية وقضية «الإدارة الذاتية»، عبر إدراج الاعتراف بالأخيرة شرطاً للانخراط في تسوية مع الحكومة السورية.
ثمّة اعتقاد في الأوساط الكردية بأن خطّة موسكو يمكن أن تُنفَّذ في تل رفعت فقط
وفي ظلّ هذه التعقيدات، يبدو مبرَّراً تجديد أنقرة حديثها عن رغبتها في الانفتاح على دمشق، ومحاولتها تحقيق مكاسب سريعة في ملفّ اللاجئين السوريين، وخصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا والمقرَّرة في شهر حزيران من العام المقبل، وهو ما أعاد وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، التذكير به، عبر تصريحات تحدّث من خلالها عن نقاشات أمنية بين بلاده وسوريا حول ملفّ اللاجئين وسُبل عودتهم. وإذ تمّ تفسير كلام أوغلو على أنه مستجدّ، إلّا أن النقاش المُشار إليه دار في وقت سابق خلال لقاءات أمنية استمرّت يومَين في العاصمة التركية، وفق ما أكّدت مصادر تركية حينها.
ميدانياً، ذكرت مصادر كردية أن تعميماً جديداً وزّعه قادة «قسد» على مسؤولين أكراد، يقضي بضرورة الاستمرار في اتّباع قواعد التنقّل الآمنة، في ظلّ استمرار التهديد الجوّي التركي. وجاء ذلك بعدما أبلغ مسؤولون أميركيون، «الإدارة الذاتية»، بأن تحرّكات الطائرات التركية لن تتوقّف في الوقت الحالي، الأمر الذي يعيد الأوضاع إلى ما قبل إعلان أنقرة عمليّتها «المخلب – السيف» في شهر تشرين الثاني الماضي، إثْر التفجير الذي وقع في ساحة عامة في إسطنبول. ومع هذا، يظلّ الخطر قائماً في ما يتعلّق بالتقدّم البرّي في تل رفعت، في حال فشل المساعي الروسية، وهو ما يبدو أن واشنطن تريده لضرب المسار الروسي.