آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » أنيكا لنسن: الرسم والسياسة في سوريا

أنيكا لنسن: الرسم والسياسة في سوريا

منذ مطلع القرن الماضي، شهدت سوريا مجموعة من المبدعين في مختلف الفنون «وفي هذا العصر نبغ في الشام مصوّرون لا بأس بهم أخذوا عن إيطاليا وفرنسا وغيرهما، وكادوا يجارون مصوّري الغرب بإبداعهم، ومنهم من يصور بالأصباغ. ومن المصورين باليد علي رضا معين، نديم بخاش، مصطفى الحمصاني، مصطفى فروخ، توفيق طارق، عبد الحميد عبد ربه، عبد الوهاب أبو السعود، بشارة السمرة، داود القريم، حبيب سرور، خليل صليبي، سليم عورا، جبران خليل جبران، خليل الغريب ونقولا الصائغ» وفق تأريخ محمد كرد علي.

وجه أمّي وجه أمّتي» ـ جبران خليل جبران ـ من الكتاب»

لكن في كتابها «إثارة جميلة: الرسم الحديث والسياسة في سورية» (منشورات جامعة كاليفورنيا ـ 2020) تنكبّ أنيكا لنسن، وهي متخصّصة في الرسم الحديث والممارسات المرئية المعاصرة مع التركيز على السياسة الثقافية في الشرق الأوسط وبحوثها، على دراسة مشاكل التمثيل الفني في ما يتعلق بالتخيّلات المعولمة للإمبراطورية والقومية والشيوعية وإنهاء الاستعمار وعدم الانحياز وإنسانية العالم الثالث. تبحث بعمق غير مسبوق في أعمال ثلاثة فنانين لم يُذكروا في قائمة محمد كرد علي، هم: جبران خليل جبران وأدهم إسماعيل وفاتح المدرس. وترى أنهم [وغيرهم] غامروا في تطوير أنواع جديدة لافتة من الرسم لربط صورهم بقوى الحياة والطاقات المهتاجة. يستكشف هذا المؤلف الثمين كيف قام الرسامون في سوريا بتنشيط قابلية تغيير الشكل لإعادة التفكير في العلاقات بين الشكل والأرض، والمظهر الخارجي للوجود الداخلي، والذات بالعالم، معتمدةً على مواد أرشيفية، إضافة إلى لقاءات أجرتها في سوريا وخارجها. تكشف الكاتبة عن مسارات جديدة لممارسة الرسم في القرن العشرين تم تحديدها من خلال تغيير تقنيات وسائل الإعلام، وحركة السكان، وفرض حدود الدولة القومية بالقوة. النتيجة هي دراسة للحداثة العربية تقدم الجهود المبذولة للتحريض [الإثارة] ضد الهويات المفروضة والعلاقات بين الذات بدلاً من حجبها.
افتتحت الكاتبة مؤلّفها باقتباس مطوّل من رسالة كتبها الفنان السوري صدقي إسماعيل بتاريخ 5 تشرين الأول (أكتوبر) 1947 إلى «صديقة» مغفل اسمها في النسخة المنشورة التي صدرت ضمن مجموعة «رسائل لم تُنشر» (وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب ـ جمعتها وحرّرتها عواطف الحفار إسماعيل). يقول: «إن الخيال يلخص كل ما في الإنسان، إنه روح وجودنا؛ وما الفن إلا خيال مرهف». توضح الكاتبة سبب افتتاح عملها باقتباس من قراءة صدقي إسماعيل للأرشيف الحداثي جزئياً لأنه أعرب عن اهتمامه بتحديد حدود أي سيطرة واحدة على الغايات الفنية. تستطرد الكاتبة في قراءتها للاقتباس المطوّل فتقول: «كان صدقي مدركاً تماماً أنه كان يكتب بعد عام واحد فقط من استقلال سورية الشكلي عن فرنسا، وأن تحليله لنجاحات الفنانين الأوروبيين المفضلين لديه يُظهر اهتماماً ضئيلاً نسبياً بالمهام الافتراضية للمعرفة الحداثية في وضع تاريخي مثل رسم النفوذ وأنماط التسمية أو إسقاط قوس واحد نحو الاستقلالية الشكلية». بدلاً من ذلك، فهو يروي جهود الفنانين لتحقيق «تحرير الفن في الرسم»، ويقصد، وفق قراءة الكاتبة، كسر تقاليد الوهم لمصلحة فن يحافظ على امتلاء التجربة، والإدراك الحسي، وأنماط الحياة المتغيّرة، دوماً وفق مصطلحات الكاتبة. تناقش الكاتبة في فصول المؤلف الأربعة، إضافة إلى التقديم والاستنتاجات، عدداً من الحالات التي يصف فيها مشاهدو اللوحات هذا النوع من الاعتراف، بما في ذلك التعبير عن الأمل في امتداده التحفيزي إلى تكوين مجتمعات سياسية أخرى. مع ذلك، فإن هدفها الأساس ليس إثبات أن مثل هذا التحفيز قد حدث بالفعل أو تقديم ادعاء رسمي أن توصيفات التأثيرات الجمالية المتكاملة يمكن أن تُحدث تغييراً في مؤسسات القوة. بدلاً من ذلك، فهي مهتمة بمعالجة قوة الادعاء تاريخياً، حيث إنه أدخل الفن في علاقة بالسياسة امتدت بدلاً من تقييد كليهما. الأهم من ذلك، أن إحساس الفنانين السوريين بالحركة بين السطح والعمق، ساعد في حماية لوحاتهم من مفاهيم الحداثة المبتذلة مثل التسطيح والإحالة الذاتية. لذلك يوفر تاريخ الرسم الحديث في سوريا فرصة للنظر في الرسم الحداثي وفقاً لمعايير أخرى. محتوى المؤلف، على نحو مختصر للغاية، كما يلي: يتابع الفصل الأول (الرومانسيون العرب: خليل جبران وعاصفة اليقظة) مسيرة جبران خليل جبران (1883-1931)، وهو فنان وكاتب رومانسي عاش في الشتات السوري في أميركا الشمالية، حيث طوّر نهجاً للرسم يهدف إلى التقاط الروح وإظهارها في العالم الطبيعي. يتطرق الفصل الثاني (سورية المستعمَرة: العثور على الحياة في الثقافة) إلى أنواع التفكير في الصور التي ظهرت على مدى عشرين عاماً من الحكم الاستعماري الفرنسي في سوريا. لا يعتبر الفصل بطل الرواية فناناً، بل مجموعة من المثقفين الشباب الذين تنقلوا بين دمشق وباريس للتدرب في العلوم الاجتماعية والإثنوغرافيا، وبحثوا عن طرق لتنظيم فهمهم للثقافة. مجموعتهم، التي تضم كاظم الداغستاني (1898-1985) وجميل صليبا (1902-1976)، وهما محرران مشاركان لمجلة «الثقافة» المؤثرة التي صدرت بين عامَي 1933 و1934، والأرسوزي، الفيلسوف والناشط السياسي الذي علّم جيلاً من المجندين في حزب البعث، استخدم تدريبه للكشف عن هياكل التماسك الثقافي كحصن للحياة السورية بعد الاستعمار. يركز الفصل الثالث على أدهم إسماعيل، وهو فنان معروف بإنتاجه لوحات من منبع الروح العربية، إما من خلال اقتفاء أثر «لا ينتهي»، أو «لمسات» برّقة من الألوان الوامضة، أو بنية إيقاعية مستعارة من الشعر أو الرقص، وجميعها مصطلحاته. تدرس الكاتبة في هذا الفصل كيف حاول أدهم ربط استراتيجياته في التكوين بنشاطهما، بما في ذلك إعادة صياغة مفاهيمية للتراث العربي مثل الفكرة الاستشراقية عن الأرابيسك. يعتمد الفصل على أرشيف من المراسلات والرسومات والمذكّرات السياسية التي تنقل تجارب النزوح إلى جانب تفاصيل حول الانكماش السياسي، ما يسمح بإلقاء نظرة على الجوانب الراديكالية الهادئة لجهود أدهم في تشكيل وحدات جمالية باسم أمة عربية مؤجلة.

الفصل الرابع (التنقيب الوطني: فاتح المدرس والصورة غير المقدّسة) يبحث في بداية مسيرة الفنان (1922-1999) من الأربعينيات إلى منتصف الستينيات، مع التركيز على تفاعله مع الديناميكيات النفسية للتجلي الإبداعي. نشأ المدرس في مدينة حلب وكان ينتمي إلى دائرة طليعية مهتمة بالنظرية السريالية والتحليل النفسي، وطوّر رؤية لمستودع جماعي مثل اللاوعي، منظّم من خلال التواريخ المظلمة للحوافز المكبوتة. في وقت لاحق، في عام 1956، وبعدما حصل على زمالة حكومية، توجه إلى روما ودرس جهود ما بعد الحرب المعاصرة لتسوية التقاليد التصويرية الغربية من خلال دمج المخلفات والأصباغ التراكمية في سطح اللوحة. يمثل «إثارة جميلة» محاولة لإعادة كتابة تاريخ للرسامين السوريين بمصطلحات غير تلك التي أسقطها الحاضر بأثر رجعي. لكنّ الكاتبة تستدرك قائلةً: «هذا لا يعني أن الرسامين الذين ناقشتهم في هذا المؤلف كانوا يسعون إلى مثل هذا الترميم بالشروط المعروضة عليهم في الأوساط الأكاديمية الأميركية. لا أستطيع أن أعرف؛ أبطالي رحلوا قبل وقت طويل من حضوري إلى دمشق، لذا لا يمكنني توجيه تحليلي تجاه دراستهم أو طلب تقويمهم لادعاءاتي. بدلاً من ذلك، آمل أن أكون قد وجهت المؤلف للنقاد الباحثين عن الروابط التاريخية بين ممارسات الرسم، وكذلك أولئك الذين يهتمون باختلافاتهم. إن رأيي أن حقلي الخاص في تاريخ الفن الحديث العالمي يجب أن يعترف بهذه اللوحات الحديثة كإمكانات تشكّلت في التحريض المشترك مع كثير من الآخرين، وخلفهم وتحتهم وحولهم».
يبحث هذا المؤلف بطريقتين في بُعد عابر للحدود في تاريخ الفن السوري. إنه التحم بمنطقة كثيفة الشبكات من التفكير الجمالي تملك امتداداً عالمياً بفضل تداخلها في عمليات الاستعمار والتحرر. لا يشمل اختصاص المؤلف فقط الشرق العربي بأكمله كمستودع لإصدارات مختلفة من سوريا، بل أيضاً يمتد إلى دوائر عالم الفن عبر عاصمتَي باريس وروما، وحركات التحرير التي دعت إلى تضامن عموم آسيا، وفي وقت لاحق، عدم الانحياز العابر للقارات. إضافة إلى ذلك، يهتم المؤلف أيضاً بكيفية استخدام الأساليب المفتوحة للرسم بما في ذلك الممارسة ومنتجاتها، لقوة معولمة تتجاوز حدود الاستقلالية الإقليمية للوصول إلى موقف مشترك.

(سيرياهوم نيوز-الاخبار اللبنانية)
x

‎قد يُعجبك أيضاً

أنباء سحب الجنسية من نوال الكويتية تثير الجدل.. وحقيقة اعتزالها تكشف!

تصدر اسم الفنانة نوال الكويتية محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي بعد تداول أنباء عن سحب جنسيتها الكويتية، وهو ما أثار الجدل بين المتابعين والمستخدمين. وتأتي ...