آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » أهداف الحرب الأصلية تتثبّت | أميركا – إسرائيل: ما المانع من ضمّ غزة؟

أهداف الحرب الأصلية تتثبّت | أميركا – إسرائيل: ما المانع من ضمّ غزة؟

 

يحيى دبوق

 

 

تتّجه الأوضاع في قطاع غزة نحو ما يمكن وصفه بـ«تجميد نسبي» للقتال، يُعيد ترتيب المشهد، وينقل الحرب إلى مستوى آخر. على أن ما يحدث راهناً لا يبدو، بأيّ حال، جزءاً من خطّة إستراتيجية مكتملة الأركان، بل يبدو أقرب إلى سلسلة تحرّكات تُرسم لحظة بلحظة، وتتحدّد وفقاً للضغط الداخلي، والانطباعات الدولية، وحسابات البقاء السياسي، ورضى الشريك الأميركي. وهكذا، لا تمضي إسرائيل على طريق وقف الحرب، بل تسعى إلى تهيئة الأرضية لمرحلة ما بعدها، بما قد يكون أسوأ منها. وإذ تُقرأ التحرّكات الإسرائيلية الأخيرة باعتبارها محاولة لتغيير الصورة المترسّخة دوليّاً عن حصار غزة وتجويع شعبها، فإن المراد الأساسي من تلك التحركات تهدئة الشريك الدولي الرئيسي، المتمثل بالولايات المتحدة، لئلّا يتأثّر بضغوط الرأي العام وانتقاداته، ومنع تحوّل العزلة الديبلوماسية إلى عقوبات فعلية، وفي اتجاه أبعد، البدء بتطبيق خطّة ضمّ قطاع غزة. وهي خطّة شرعت إسرائيل في التمهيد لها إعلامياً، عبر الحديث عن أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يقترح ضمّ أراضٍ من القطاع، في محاولة لإبقاء اليمين الفاشي داخل حكومته.

والجدير ذكره، هنا، أن تيار «الصهيونية الدينية»، بحزبَيه المؤتلِفين في الحكومة، بقيادة كلّ من إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، لا يرى في غزة مجرّد تهديد أمني، بل يعدّها أرضاً موعودة، وذلك انطلاقاً من رؤيته الأيديولوجية البحتة، وعنوانها «أرض إسرائيل الكاملة»، الخالية من الفلسطينيين، والخاضعة للسيادة اليهودية. وعليه، فإن تخفيف إسرائيل حصارها على غزة، يُنظر إليه، من جانب هذا التيار، على أنه ارتداد واستسلام للفلسطينيين، الذين يجب العمل على تجويعهم وطردهم، لا مهادنتهم وتقديم مبادرات إنسانية تنقذهم. على أن إسرائيل، منذ اليوم الأول للحرب، كانت تُخطّط لما يُعرف بـ«المرحلة الثالثة»، التي تتضمّن الاحتفاظ بشريط حدودي عازل بعمق عدّة كيلومترات، خال من السكان، تحت ذريعة «الدواعي الأمنية». وإذ لم تُطرح فكرة «الضمّ»، في حينه، بشكل صريح، فقد كان مضمونها واضحاً: السيطرة الدائمة على غزة، تحت أيّ عنوان؛ ومع تبدّل الظروف، باتت هذه السيطرة تُطرح صراحةً كـ«ضم تدريجي»، يبدأ من الحزام العازل، ثم يمتدّ تدريجيّاً. والهدف من المشروع المشار إليه – إلى جانب إبقاء سموترتيش وبن غفير في الحكومة -، فرض وقائع جديدة طويلة الأمد على الأرض.

 

الحرب على غزة لم تكن يوماً مجرد عملية عسكرية للانتقام أو تحرير الأسرى

 

 

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: هل هذه الخطّة متفّق عليها فعلاً بين نتنياهو والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خصوصاً أنها أكبر بكثير من أن تبدأها أو تطرحها إسرائيل، إذا لم يكن قد جرى التوافق عليها مع الراعي الأكبر؟ وهل يفسّر ذلك ما قاله ترامب في اسكتلندا من أن «إسرائيل ربّما تحتاج الآن إلى التصرّف بشكل مختلف»؟ لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال، خصوصاً أن «اللين الإنساني» المستجدّ ليس ترفاً أخلاقيّاً، بل جزء من تفاهم ضمني بين تل أبيب وواشنطن، ربما يمهّد لخطوة أكبر من مثل ضمّ مناطق محدّدة في غزة. ولعلّ الاستجابة السريعة من نتنياهو، الذي لم يتأخّر في التحرك نحو زيادة المساعدات بقرار مفاجئ، أعقبته تهديدات بزيادة الضغط وعسكرة ردود الفعل بعد فشل مفاوضات الدوحة، فضلاً عن صمت «الصهيونية الدينية»، أو على الأقلّ تمهّلها في الردّ على تلك الخطوات… كلها مؤشرات تعزز صحة التقدير المشار إليه، ليبقى السؤال: ما هي الأراضي التي ستُضمّ؟ متى؟ تحت أيّ عنوان؟ وما الثمن السياسي الذي سيُطلب من الولايات المتحدة دفعه مقابل الصمت أو التغاضي؟

يَظهر أن أبرز ما يميّز تلك الخطّة، هو تدرّجها؛ إذ ليس من قَبيل المصادفة أن الحديث يدور عن «ضمّ تدريجي»، وليس عن إعلان سيادة مفاجئ على كامل القطاع، من شأنه أن يثير صدمة على المستوى الدولي. والتدرّج، هنا، تكتيك وقائي: تتقدّم إسرائيل خطوة صغيرة وتعاين ردود الفعل، ثم تقرّر ما إذا كانت ستمضي قدماً أو تتوقّف. لكن الأكيد أن أي خطوة في هذا الاتجاه، من مثل فتح المعابر، وزيادة المساعدات، وفرض وقائع أمنية جديدة، كلّها عناصر قد تُستخدم مستقبلاً كـ«إنجاز» يُبرّر وقف القتال؛ وإنْ لم يكن الأمر انتصاراً كاملاً وفقاً لما وعد به نتنياهو، لكنه «خروج آمن ومغر» يُرضي الداخل، ويُخفّف من الضغط الخارجي. وقد تكون الصيغة التي ستُبنى عليها «المفاوضات اللاحقة» هي: توقّف إسرائيل عن التوسّع والضمّ، في مقابل تراجع «حماس» عن ثوابتها؛ تماماً كما طُرح سابقاً رفع الحصار أو وقف قتل المدنيين أو تعليق العمليات العسكرية والهدم والتدمير، في حال رضوخ الحركة.

على أن خطّة كتلك تظلّ محفوفة بالمخاطر؛ كونها تُراهن على صمت ترامب، وتجاهل أوروبا، وتغاضي الأمم المتحدة، رغم أن إسرائيل تعلم جيّداً أن الإدانات لن تُحدث فرقاً إذا لم تُرافقها عقوبات فعلية وتتسبّب في تغيير الموقف الأميركي. وعلى أيّ حال، فإن ما يحدث يُعيد التذكير بأن الحرب على غزة لم تكن يوماً مجرد عملية عسكرية للانتقام أو تحرير الأسرى، بل هي، في جوهرها، معركة سياسية وأيديولوجية ووجودية وشخصانية، يستخدمها نتنياهو للبقاء في السلطة وبناء المجد وجلب انتصارات لإسرائيل، ويوظفها اليمين المتطرّف لتحقيق رؤيته التوراتية، ويعبّر الجيش من خلالها عن هويته الجديدة، في ظلّ هيمنة تيار ديني – قومي على قادته بصورة غير مسبوقة، ويكتشف الجمهور الإسرائيلي، الذي بات يرى في كلمة يسار وتعاطف مع الفلسطينيين إهانة وعاراً، نفسه من طريقها.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الأقاليم السورية الخمسة  فكرة للحوار … لفتح الباب المسدود

    د.محمد حبش   أعلنت الدولة السورية الجديدة عن الهوية البصـرية للدولة في مهرجان حاشد هائل لم تشهده سوريا من قبل، وكانت المهرجانات مدهشة ...