علي عطا
بصرف النظر عن البحوث، التي تكاد لا تتوقف عن أهرام مصر والتمثال المهيب الذي يقال في إحدى السرديات القديمة إنه يحرسها، من منطلقات علمية، على مر العصور، وصولاً إلى عصرنا الراهن بتقنياته المتصلة بالذكاء الاصطناعي، وأحدث ما وصل إليه الإنسان في مضمار التكنولوجيا، فإن الانشغال بماهية تلك الأبنية والتعبير عن الانبهار بعظمتها لم يتوقفا أيضاً منذ عرف الإنسان التدوين، خصوصاً الأدبي منه، وحتى اللحظة الراهنة، وربما إلى ما بعد أن تفنى تلك المعجزة بأبعادها المعمارية والدينية والفلسفية وحتى السياسية، وتصبح في عداد معجزات أخرى أفناها الدهر. فحتى لو فنيت كياناً مادياً، فلن يتمكن الدهر على الأرجح من محو أثرها من المخيلة الإنسانية، لتستمر معيناً لا ينضب للأساطير والبناء السردي، وللإبداع الفني بمحتلف أجناسه، المعروفة وتلك التي لم نعرفها بعد.
قديماً، قال المتنبي: “أين الذي الهرمان من بُنيانه.. من قومُه؟ ما يومُه؟ ما المصرعُ؟/ تتخلف الآثار عن سكانها.. حيناً، ويدركها الفناء فتتبعُ”. وقال عمارة اليمني (1121 – 1174م): “خليلي هل تحت السماء بنية.. تُماثِل في إتقانها هرمي مصر/ بناء يخاف الدهر منه، وكل ما على ظاهر الدنيا يخاف من الدهر”.
وأقدم النصوص التي ارتبطت بأهرام مصر هي تلك التي اكتشفها غاستون ماسبيرو في عام 1881، وهي نصوص دينية لا تخلو من صبغة أدبية عرفت باسم “متون الأهرام” أو “كتاب الموتى” أو “الخروج إلى النهار”، ومنها مثلاً: “خذ رأسك، واجمع عظامك/ اجمع أطرافك، وانثر الغبار عن جسدك/ خذ الخبز الذي لا يفسد، والبيرة التي لا تحمض/ قف أمام الأبواب التي تحجب عامة الناس/ سيأتي إليك حارس الباب، ويمسك بيدك/ سيأخذك إلى السماء، إلى أبيك جب”. هذه نصوص لا تزال ملهمة لكثير من الأعمال الأدبية المعاصرة، ومنها مثلا ديوان “الخروج في النهار” للشاعر المصري محمد رياض، الصادر عن دار ميريت في عام 2014، والذي يتناول ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 في مصر. مما جاء في هذا الديوان عن الثوار: “كانوا هنا فقط من أجل العناق/ لكنهم تركوا صورهم على الجدران/ تركوا وجوه قاتليهم/ والكثير من الدماء/ وذهبوا/ كانوا هنا من أجل العناق/ ذلك الذى يثبّت حواسهم عند حافة التوقّد/ ويبعثر رغبتهم في الأبد/ ويطلق خيوط أرواحهم فى الهواء/ لترقص حرة/ في سقف العالم”… و”وفوق رصيف بعيد/ كانت أيزيس تبكي/ ودموعها تلمع فى الضوء الغامر/ كحبيبات الألماس/ فيما الصقر الرهيب يحلّق عالياً/ عالياً جداً/ حراً/ مع الشمس”. ويقول الناقد محمود عبد الشكور، معلقاً على هذا المتن: “تظلل هالة أسطورية الحكاية، إيزيس وحورس في قلب المعنى”.
ومن أشهر الكتب في العصر الحديث عن بناء الأهرام كتاب “الذين هبطوا من السماء” للكاتب أنيس منصور، وفيه يزعم أن كائنات فضائية هي من شيدت الأهرام. وعلى الرغم من محاولته تأصيل أطروحته علمياً، ظلت في نظر الكثيرين مجرد خرافات من نسج خيال أدبي جامح.
وسبق للمؤرخ اليوناني هيرودوت أن ادّعى، قبل 2500 سنة، متكئاً على خيال أدبي أيضاً على الأرجح، أن أهرام الجيزة بنيت باستخدام أدوات من الحديد. وقال إن الفراعنة جمعوها من منطقة القوقاز، ونقلوها إلى مصر، حيث استخدمت في بناء الأهرام قبل 4800 سنة. ذهب بعض المفسرين القدامى والمحدثين في آية “فرعون ذي الأوتاد” في سورة الفجر، متكئين أيضاً على الخيال، إلى أن “الأوتاد” هي الأهرام. وقال أحدهم في ذلك: “هي الأهرام؛ لأنها راسخة في الأرض كالأوتاد”. واستخدم بعض المفسرين جناح الخيال كذلك للقول إن القرآن أشار في موضع آخر إلى الأهرام، وهو قوله تعالى: “وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الكاذبين” (الآية 38، سورة القصص). واعتبر بعضهم ذلك من صور الإعجاز القرآني، بما أن أن هناك علماء أثبتوا حديثاً أن المصريين القدماء استخدموا الطين والنار لبناء صروح مرتفعة، منها الأهرام.
ومن الروايات المتكئة على الانبهار بآثار مصر، وفي مقدمها أهرام الجيزة، رواية آغاثا كريستي “الموت على النيل”. ومعروف أن نجيب محفوظ بدأ مشواره الأدبي بثلاث روايات مستلهمة من الحضارة المصرية القديمة، ودرتها الأهرام، قبل أن يكتب في عام 1979 قصته “الحب فوق هضبة الهرم” التي لا تخلو رغم واقعيتها من أبعاد رمزية تربط الحاضر بالماضي التليد، ثم تحولت بالاسم نفسه في عام 1986 إلى فيلم من بطولة أحمد زكي وإخراج عاطف الطيب.
ما فات مجرد أمثلة، وهناك منها الكثير، مما يضيق المقام بالإشِارة حتى إليه.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار