نبيه البرجي
من الرقص على رؤوس الثعابين، الى الرقص على رؤوس الأصابع. الآن، قدمان في الهواء. هذا هو رجب اردوغان الذي نأمل، والشرق الأوسط يترنح ويكاد يتفجر، أن يتخلى عن اللوثة العثمانية أو اللوثة السلجوقية، ويدرك أن أحصنة السلاطين قضت فوق قبور أصحابها. الأهم أن يدرك أننا أمام زمن آخر. وشرق أوسط آخر…
لا شك أنه قدّم الكثير لبلاده. حين كان رئيساً لبلدية اسطنبول شارك عمال التنظيفات تكنيس شوارع في مدينة الباب العالي، والأبواب العالية، بعدما غدت مستودعاً للقمامة. لكن نرجسيته كادت أن تقتله وتقتل تركيا، حين ظنّ أنه، عبر النيوانكشارية (أي “الاخوان المسلمين” بالظهور المعروضة للايجار) يستطيع احياء السلطنة، دون أن يتنبه الى المطرقة الأميركية التي تنهال على رأس كل من يحاول الخروج من رقعة الشطرنج.
منذ أيام، كلام هام له “تركيا تقف الى جانب لبنان في ظل التوتر مع اسرائيل”، داعياً دول المنطقة الى دعمه في الظروف الراهنة. بالرغم من الصياغة الديبلوماسية الدقيقة للعبارة، لا يسعنا الا القول “أهلاً بك أيها السيد اردوغان”، الذي يفترض أن يكون على بيّنة من تبعات سحق “اسرائيل” لغزة وللضفة، ثم سحق لبنان وسوريا، ربما وصولاً الى العراق، لتقوم “أمبراطورية يهوه” كما كان يحلم “الحاخام” مئير كاهانا، الذي لم يكن يرى في سكان المنطقة أكثر من ترسبات قبلية سقطت سهواً، على قارعة الزمن.
أي ترجمة لكلام اردوغان الذي نستبعد قيامه بأي خطوة عسكرية ؟ ولكن حين يقول بنيامين نتنياهو بتغيير الشرق الأوسط، كيف لتركيا، بالتصدعات الاثنية والطائفية، أن تظل بمنأى عن مخالب الرجل. لا أمبراطورية هنا سوى “الأمبراطورية اليهودية”، وأن كان اللبنانيون والفلسطينيون قد حولوا هذا الحلم التوراتي الى هباء. ولقد رأينا كيف أن جو بايدن (الصهيوني) يحذره من سوق “اليهود” الى الهولوكوست الآخر.
الرئيس التركي لا يحتاج الى من يقول له ان سقوط لبنان يعني سقوط سوريا، التي وضعها اردوغان نفسه بين براثن ذلك النوع “المغولي” من الاسلاميين. هؤلاء الذين يشددون في منشوراتهم السرية، على أن يكون ابناء ابراهيم أي أبناء اسحق واسماعيل، في خندق واحد. لا نستبعد قطعاً أن نراهم في لبنان وسوريا، وحتى في بلدان أخرى، يقاتلون تحت “نجمة داود”.
منذ أكثر من قرن، أدرك السلطان عبد الحميد ما يعنيه قيام دولة يهودية كقنبلة توراتية، في قلب الشرق الأوسط، قبل أن يتم خلعه بتلك الطريقة الملتبسة أو المريبة، وبعدما خطط تيودور هرتزل لاغتياله بتفجير قصر يلدز بالقوارب المفخخة.
لعل أردوغان أصغى الى تلك الأصوات التركية، التي ترى أن مجرد وجود “اسرائيل” يهدد الأمن الاستراتيجي لبلادهم ما دام قادتها يتطلعون، وبأمر الهي، الى اقامة “اسرائيل الكبرى”، كمن يشق الشرق الأوسط بالسكين.
الأصوات اياها ترى أنه آن الأوان لكي تخرج تركيا من حلف الأطلسي، الذي انتهت مهمته بانتهاء الأمبراطورية السوفياتية، ليغدو بالكامل أداة متعددة الجنسيات لخدمة الاستراتيجيات، ولخدمة المصالح الأميركية. الفشل في كل مكان، ومن أفغانستان الى أوكرانيا التي استنزفت الحرب فيها الدول الأوروبية سياسياً واقتصادياً، لتظهر على السطح من جديد الأحزاب الفاشية والنازية.
نقول لأردوغان أن الطريق الى دعم لبنان يمر عبر سوريا، التي لولاه لما كانت ضحية ذلك النوع من البرابرة، ولما كان الأميركيون على الأرض السورية (كذلك القوى الأخرى). لا لبنان دون سوريا، ولا سوريا دون لبنان. حتى ليمكننا القول لا سوريا دون تركيا، ولا تركيا دون سوريا. أهلاً بك في بيروت وفي دمشق كصديق وكحليف، لا كما دعاك أحد مشايخ البقاع، “أدخل الى دمشق فاتحاً أو غازياً”. حاولت ولم تستطع ذلك.
غريب أن نراهن على الأتراك وعلى الايرانيين، ونحن في دائرة الاحتمال، الاحتمال الصعب. أحمد أبو الغيط، بطربوش الباشوات وبرأس الباشوات، بعث الينا بفارس الديبلوماسية الفذ حسام زكي لينصحنا (هل من غباء أشد هولاً ؟) بـ “مزيد من التشاور لملْ الفراغ الرئاسي”، كما لو أن الأزمة، الأزمة الوجودية، ليست في مكان آخر…
ليتك يا أبو الغيط بعثت لنا بفيفي عبده، ولم تبعث بأحد ممن دعاهم أمل دنقل، في قصيدة قرأها لنا، “فئران كمب ديفيد”!!
(سيرياهوم نيوز ١-الديار)