آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » أوباما وترامب… الضدّان اللدودان في حربهما الأميركية الأبدية

أوباما وترامب… الضدّان اللدودان في حربهما الأميركية الأبدية

جهاد بزي

 

تعود المواجهة المباشرة بينهما إلى مساء 30 نيسان/ أبريل 2011. دونالد ترامب، الملياردير النيويوركي ونجم برنامج المتدرب Apprentice، جالس بين المدعوين إلى عشاء مراسلي البيت الأبيض في واشنطن. باراك أوباما، في المقابل، كان على المنصة.

 

 

 

أوّل رئيس أسود في تاريخ أميركا، النجم العالمي، ونجم تلك السهرة بالتحديد، راح يمطر ترامب بالنكات، الواحدة تلو الأخرى، تحمل سخرية لاذعة، كان أقساها حين عرضت الشاشة صورة للبيت الأبيض في عهد ترامب إذا بات رئيساً، وقد بُني فوق المقر الرئاسي ثلاثة طوابق، اسم ترامب في أعلاها، بينما تحوّل السكن الرئاسي إلى فندق وكازينو وملعب غولف. وفي البركة المتخيلة أمام البيت الأبيض تجلس شابتان بثياب السباحة تستمتعان بالكحول.

 

 

 

حافظ ترامب على ابتسامته المتكلفة طوال الدقائق التي كان يتعرض فيها لانتقام أوباما الشرس. لكن الكاميرات عجزت عن رؤية أسنانه. حجم الإذلال الذي تعرض له تلك الليلة، خصوصاً أنه لم يستطع أن يرد على أوباما، جعله يقرر، بحسب صديقه ومستشاره روجر ستون، أن يصير رئيس الولايات المتحدة.

تخلى أوباما يومها عما يعرف عنه من دماثة وكانت سخريته جارحة حتى في حق شخص خبير بالتنمر كترامب. لكنها كانت فرصته التي قد لا تتكرر للانتقام من خصمه الذي بدا كمن وقع في فخ محكم. وقد انتظر هذه اللحظة لأكثر من ثلاث سنوات كان ترامب في خلالها لا يكف عن بناء نظرية مؤامرة مكتملة تقول إن أوباما، ابن الطالب الكيني والأم الأميركية، لم يولد على التراب الأميركي، ولا يحق له بالتالي أن يكون رئيساً، مصراً على ذكر الاسم الثلاثي لأوباما، مُلحّناً كلمة هوسين (حسين) في كل مرة يقولها.

 

 

 

 

 

لا تخفى العنصرية ولا حتى الإسلاموفوبيا في تعاطي ترامب حينها مع ظاهرة باراك أوباما في أوج صعودها وتحقيقها انجاز إيصال السيناتور الأسود الشاب والأكاديمي والمتحدث المفوه إلى المنصب الأغلى على قلب أميركا. لكن ما كان أبعد من العنصرية، هو أن ترامب يرفض كل ما يمثله أوباما في صورة أميركا، والعكس صحيح.

 

 

 

ابن المقاول الثري الذي ولد بملعقة الذهب، نشأ منحازاً إلى فكرة أن النجاح لا يتحقق إلا بالقوة، قوة الشخصية وقوة المال وقوة الإقناع وقوة التنمر حين الحاجة. تاجر بالفطرة ينتمي قلباً وقالباً إلى الأكثرية البيضاء والأقلية الأكثر ثراء، وواجبه المقدس الدفاع عن مصالح هاتين الأكثرية والأقلية بما استطاع. واجبه كرأسمالي، أن يرى الرئيس الجمهوري المحافظ رونالد ريغان مثلاً أعلى، ويرى، في المقابل، أي نضال حقوقي نسائي أو نقابي أو عرقي أو جندري خطراً “شيوعياً” على أميركا ينبغي وأده في مهده، قبل أن ينتشر ويصير وباءً. ترامب لا يحبذ أميركا المنفتحة على أفكار التسامح وقبول الآخر واندماج شعوب الأرض وثقافاتها وانصهارهم في بوتقتها الواحدة. يحتقر المنظّرين لهذه الأفكار، بخلفياتهم الأكاديمية ولغتهم المتكلفة التي غالباً ما تجمّل كل ما يراه قبيحاً.

 

 

 

ابن الطالب الأجنبي الكيني، نشأ في كنف أمّ عزباء من عامة الأميركيين. قاده اجتهاده إلى نيل شهادة دكتوراه في القانون من كلية الحقوق في هارفرد، وعمل قبلها منظماً مجتمعياً في شيكاغو مساعداً الطبقات المسحوقة على تحسين فرص عملهم وسكنهم وتعليمهم. اختبر أميركا من قعرها الطبقي والاجتماعي، ونما سياسياً وثقافياً كأفريقي أميركي محملاً بثقل تاريخ عرقه وحاضره وحركة الحقوق المدنية ومارتن لوثر كينغ جونيور. كان من المستحيل على سياسي مثل باراك أوباما ألا يكون في المقلب الآخر لأميركا، تلك التي لا يحبها دونالد ترامب، وكان من المستحيل، بالتالي، ألا يكون الشخصان ضدين تامين، لا يلتقيان إلا على مضض، إن في حفل عشاء سخر فيه أوباما من ترامب، أو في تسليم السلطة وتسلمها، حين فاز ترامب على هيلاري كلينتون رسمياً، لكنه، عملياً، حقق انتصاراً ساحقاً على عدوه اللدود الذي كان توقع أن واحداً مثل ترامب لن يصل قط إلى البيت الأبيض.

 

 

 

هذا الصراع بينهما لم ينقطع منذ عام 2008. 17 سنة لم يوفر أحدهما فيها مناسبة لتهشيم الآخر. في ولايته الأولى، رمى ترامب كل أزمات أميركا حينها على سلفه، وقضى على إنجازاته ومنها الاتفاق النووي الإيراني والعلاقات مع كوبا. وأنهى ولايته باتهام أوباما بالتحضير لانقلاب عليه بعدما أدار بنفسه مؤامرة عنوانها “تدخل روسيا في الانتخابات لمصلحة ترامب”. ومع أنه لم يغير من موقفه هذا طوال السنوات الأربع التي قضاها خارج الحكم، إلا أن يديه كانتا مكبلتين بعشرات التهم في قضايا جنائية وأخرى مدنية.

 

 

 

لم يعد مطلوباً جنائياً بعد عودته إلى الرئاسة، وكما وعد وفى، فقد حان وقت الانتقام الشامل. طرد عشرات المدعين العامين ولاسيما منهم أولئك الذين حققوا في القضايا المتعلقة به، كما طرد الموظفين المؤثرين في الأجهزة الفيدرالية وفي مقدمها مكتب التحقيق الفيدرالي FBI، وجلب مخلصين لنهجه وشخصه.

 

 

 

الآن، في خضم الضجة المثارة حول ملفات جيفري إبستين ورفضه الإفراج عن الوثائق، تذكر ترامب مجدداً أن باراك أوباما خطط لانقلاب عليه من خلال المؤامرة الروسية. اتهمه “بالخيانة”، أفظع تهمة ممكنة لأميركي فكيف لرئيس سابق؟ نشر فيديو ذكاء اصطناعي، يقبض خلاله عنصرا شرطة على أوباما بينما يجلس في المكتب البيضوي مع الرئيس الذي يضحك ملء فمه، بعدما أفرجت تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية الحالية والديموقراطية السابقة، عن تقرير يتهم أوباما بفبركة المؤامرة الروسية.

غابارد أحالت الوثائق على وزارة العدل مع توصية بفتح تحقيق جنائي في حق أوباما ومسؤولين آخرين من إدارته. مضمون الوثائق لم يؤخذ بجدية في الوسط الإعلامي خصوصاً أن ليس فيها ما يكشف أن أوباما تآمر فعلاً أو اختلق التدخل الروسي الذي حصل في الواقع.

 

 

مكتب الرئيس السابق رد على ترامب وغابارد ساخراً من تلفيق الاتهامات لتشتيت الانتباه عن الضجة المحيطة بملفات إبستين، وعبّر عن غضبه من هذه الاتهامات التي استدعت رداً استثنائياً. ولم يتردد أوباما في استمراره في التعاطي بتعالٍ مع ترامب، إذ إنه اضطر إلى الرد هذه المرة، مع أنه عادة لا يرد على “الهراء الصادر من هذا البيت الأبيض”، وهو نفسه البيت الذي تخيّله ساخراً في عام 2011 فندقاً وكازينو وملعب غولف، لكنه لم يرَ فيه ما تحوّل إليه مذ ذاك الحين، أي ساحة معركة أخرى مع عدوه اللدود في حربهما الأميركية الأبدية.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

سوريا.. قرار بتحويل مطار المزة العسكري إلى مدني

أعلن رئيس هيئة الطيران المدني السوري عمر الحصري، الخميس، اتخاذ قرار بتحويل مطار المزة العسكري في العاصمة دمشق إلى مطار مدني بسعة 30 مليون مسافر ...