تتسع ظلال أشجار الزيتون على سفوح جبال الساحل، وتتمايل أغصانها تحت نسيم البحر، حاملة أوراقاً خضراء تشبه في هدوئها سكينة المكان، لكنها تخفي بين عروقها قوة طبيعية ظلّت حاضرة في الطب الشعبي لقرون طويلة. هذه الأوراق الصغيرة، التي طالما جُمعت وجُففت في بيوت الريف، لم تعد اليوم مجرد موروث متناقل، بل أصبحت موضع اهتمام علمي بعد أن كشفت الأبحاث عن غناها بمركبات حيوية تمنح الجسد طاقة متجددة وتحميه من أمراض العصر.
كنز طبي متوارث بين أجيال الساحل
الاختصاصي في علوم الأغذية الدكتور سامر الخطيب أكد أن المزارعين والعطارين في قرى ريف اللاذقية ما زالوا يتعاملون مع أوراق الزيتون بوصفها كنزاً منزلياً، حيث يحتفظون به لمواجهة الشتاء والأزمات الصحية. مبيناً أن المختبرات الحديثة أثبتت أن هذه الأوراق غنية بمادة “الأوليوروبين”، وهي مضادة للأكسدة تقلل من الالتهابات، وتدعم جهاز المناعة، وتسهم في الحفاظ على صحة القلب والكبد، إضافة إلى دورها في خفض ضغط الدم والكوليسترول وتنظيم سكر الدم.
الفوائد الصحية لأوراق الزيتون
وأشار الخطيب” لصحيفتنا الحرية “أن الفوائد الصحية لأوراق الزيتون لا تقتصر على الوقاية، بل تمتد إلى تحسين استجابة الجسم للأنسولين، بالإضافة إلى حماية الخلايا العصبية، وتقوية الذاكرة، فضلاً عن مساهمتها في تعزيز الهضم وخفض الوزن عند إدراجها ضمن نظام غذائي متوازن.
فعالية أوراق الزيتون العلاجية
في سوق العطارين بمدينة جبلة، بين العطار محمود ديب أن الطلب على أوراق الزيتون يزداد في فصل الشتاء، حيث يفضل الزبائن تحضيرها كمشروب ساخن أو منقوع بارد، مؤكداً أن أفضل الأنواع هي الأوراق التي تُقطف من أشجار لم تُرش بالمبيدات، وتجفف ببطء في الظل حفاظاً على لونها ورائحتها وفعاليتها.
وفي السياق نفسه بينت فاطمة وهي سيدة من ريف القرداحة، أنها اعتادت على شرب منقوع أوراق الزيتون مرتين يومياً، لافتة إلى أنها لاحظت بعد شهر من استخدامه انخفاض ضغط دمها وزيادة نشاطها. أما العم أبو ياسر وهو مزارع ستيني أكد لـ” الحرية” أن كبسولات مستخلص أوراق الزيتون ساعدته على ضبط سكر الدم وتخفيف آلام المفاصل، خاصة مع الاستمرار في المشي اليومي.
ورغم هذه الشهادات، شدد الدكتور إدريس سليمان اختصاصي في الأمراض الداخلية والباطن على أن أوراق الزيتون ليست بديلاً عن العلاج الطبي، مبيناً أن استخدامها يجب أن يكون باعتدال وبعد استشارة مختص، لاسيما للذين يتناولون أدوية ضغط الدم أو السكر.
أوراق الزيتون ليست مجرد جزء من الطبيعة الساحلية، بل هي الكنز الأخضر الذي يعيد لجسد الإنسان حيويته ويمنحه توازناً مستداماً في عالم تتزايد فيه الضغوط والأمراض. إنها ليست مجرد أوراق تتساقط مع الفصول، بل هبة صامتة من الأرض، تحمي القلب والعقل، وتمنح البشرة نضارة تدوم، وتجعل من كل رشفة تجربة تعيد الروح إلى الجسد.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية