لم تخرج قمّة الاتحاد الأوروبي التي اختتمت أعمالها، يوم أمس، بأيّ مقرّرات واضحة إزاء التعامل مع أنقرة، سوى رفع مطلب بإعداد عقوبات محدودة على أفراد أتراك لإرضاء اليونان وقبرص المعترضتين على مواصلة تركيا أعمال التنقيب شرقيّ المتوسط، في مقابل ترحيل المناقشات في شأن إجراءات أشدّ حتى آذار/ مارس المقبل، بعد الأخذ برأي الإدارة الأميركية المقبلة، كما صرّحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل. لكنّ العقوبات المخفّفة التي قلّل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، من شأنها، ساعياً، في الوقت نفسه، إلى التهدئة، جاءت في وقت يُحتمل أن تتعرّض فيه أنقرة لعقوبات أميركية مرتبطة بشرائها منظومة «إس-400» الدفاعية الروسية.
وعلى رغم عدم اتّضاح حجم العقوبات الأوروبية والأميركية المحتملة بعد، لكنّها يمكن أن تؤثّر سلباً على الاقتصاد التركي المنهك أساساً، وأن تضعف توازياً الليرة التركية، بعدما سجّلت خسائر جديدة يوم أمس. وبعد قمّة ماراثونية، أوّل من أمس، قرّر الأوروبيون وضعَ قائمة بشخصيات تركية لفرض عقوبات عليها، يُتوقَّع أن تستهدف أسماء ضالعة في أنشطة التنقيب، وعلى وجه التحديد في «شركة البترول الوطنية التركية»، بحسب ما كشفت وكالة «رويترز». وحالَ عدم التوصّل إلى توافق بين الدول الأعضاء، دون اعتماد عقوبات اقتصادية ضدّ أنقرة، أو النظر في طلب اليونان فرض حظر أوروبي على الأسلحة الموجهة إلى تركيا. إذ أحجم الاتحاد عن تنفيذ التهديد الذي صدر قبل شهرين بالنظر في اتّخاذ تدابير اقتصادية أوسع، كما لم تذهب هذه الخطوات إلى الحدّ الذي كانت تريده اليونان وفرنسا وقبرص، مع دفع ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا في اتجاه منح «الدبلوماسية» مزيداً من الوقت، في ظلّ معارضتها فرض عقوبات على دولة عضو في «حلف شمال الأطلسي». وطالب الزعماء كلاً من المفوضية الأوروبية ووزير خارجية الاتحاد، برفع تقرير إلى القمة الأوروبية المقرّرة في آذار/ مارس المقبل، لبحث العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والخيارات المتاحة حول كيفية المضي قدماً، بما في ذلك توسيع نطاق العقوبات.
وفيما قلّل إردوغان من شأنها، سارع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الترحيب بإجراءات التكتُّل، واضعاً إياها في إطار «الحزم» الأوروبي حيال تركيا. وقال الرئيس التركي إن «دولاً في الاتحاد الأوروبي تتحلّى بالحكمة، اعتَمدت مقاربة إيجابية ونسفت هذه اللعبة» الهادفة إلى فرض عقوبات أشدّ، لافتاً إلى أن لدى بلاده «علاقات سياسية واقتصادية عميقة مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولا يمكن لأيّ منهما تجاهلها أو المجازفة بفقدانها». وأبدى إردوغان رغبةً في التهدئة، حين قال إن بلاده «لم تقم ولن تقوم أبداً بأيّ عمل من شأنه المساس بروحية هذه العلاقات». ورأى أن «أجندة عقوبات تحرّكها اعتبارات سياسية على أسس غير عقلانية، هي ضارّة بجميع الأطراف ولن تفيد أحداً».
أحجم الاتحاد الأوروبي عن تنفيذ التهديد بالنظر في اتّخاذ تدابير اقتصادية أوسع ضدّ تركيا
الإجراءات الأوروبية تزامنت مع تسريبات كشفت عن أن الرئيس الأميركي في صدد الإعلان عن حزمة عقوبات تستهدف أنقرة بموجب قانون «مواجهة أعداء أميركا عبر العقوبات» (كاتسا)، على خلفية شرائها نظام الدفاع الجوي الروسي «إس-400». وفي حين أشار موقع «بلومبرغ» إلى أن العقوبات التي أوصى بها وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، لم يُكشف عن طبيعتها، قالت وكالة «رويترز»، نقلاً عن مصادر، إنها تستهدف إدارة الصناعات الدفاعية التركية، ورئيسها إسماعيل دمير. ونقلت الوكالة عن مسؤول تركي قوله إن بلاده ترغب في تسوية الخلاف مع واشنطن في شأن الصفقة، لكنها لا تخضع للإجراءات الأحادية الجانب. وتعليقاً على ذلك، اعتبر إردوغان أن عقوبات من هذا النوع تقلّل من احترام بلاده، مضيفاً أنه «في ظلّ إدارة أوباما، كما في عهد ترامب، كان هناك اعتزاز بوجود عضو في حلف الأطلسي مثل تركيا. إن إخضاع تركيا للعقوبات سيكون بمثابة عدم احترام من جانب الولايات المتحدة لحليف مهمّ جداً داخل الحلف».
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)