آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » أوروبا منقسمة على نفسها: لا إستراتيجية موحدة بوجه ترامب

أوروبا منقسمة على نفسها: لا إستراتيجية موحدة بوجه ترامب

 

سعيد محمد

 

لندن | فشلت القوى الأوروبية الكبرى، والتي عقدت قمّة طارئة في العاصمة الفرنسية باريس (الإثنين)، في تبني إستراتيجيّة موحدة للردّ على محادثات لوقف الحرب في أوكرانيا، كان قد أطلقها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأسبوع الماضي بعد مكالمة هاتفيّة له مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وانقسمت آراء الزعماء الأوروبيين حول طبيعة الدّور الذي يمكن لهم لعبه في إنهاء الحرب، في وقت أظهر فيه الأميركيون ازدراءً كلياً لحلفائهم في القارة القديمة، والذين مولوا نظام كييف طوال ثلاث سنوات من القتال، ونفذوا حصاراً تجارياً شاملاً على روسيا تسبب بشكل أو آخر في إطلاق واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

 

وكانت القمّة الطارئة التي دعا إليها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، واقتصرت على كل من قادة المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا والدنمارك وهولندا، إلى جانب كبار ممثلي الاتحاد الأوروبي والأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي» مارك روته، قد مُددت لتسعين دقيقة زيادة على الوقت المخصص لها، وعقدت جلساتها بحضور الزعماء فقط من دون المستشارين والوزراء، ولم يصدر عنها بيان ختامي، ما عكس انقساماً في المواقف لم يمكن جسره. ويبدو أن الأوروبيين منقسمون بين ثلاثة توجهات: فريق براغماتي تقوده بريطانيا ويريد قبول واقع تبعيّة القارة للولايات المتحدة، واستتباعاً تنفيذ ما تراه الأخيرة مناسباً في هذه المرحلة؛ وفريق ممانع تقوده بولندا ويرى أن واشنطن يجب ألا تنفرد بإدارة المفاوضات لإنهاء الحرب، ويشدد على ضرورة إشراك الأوروبيين ونظام كييف في تصميم نطاق التفاوض وتحديد سقوفه؛ وفريق ثالث – يضم ألمانيا وفرنسا تحديداً – غير راضٍ عن منهجيّة الإدارة الأميركية في إدارة ملف العلاقة مع أوروبا برمته، ولكنّه يقف على أرض مهتزة محلياً ولا يمتلك تفويضاً كافياً لاتخاذ مواقف متصلبة في مواجهة «التسونامي الترامبي»، ويفضّل إبقاء خطوط التواصل مع واشنطن في الكواليس وخارج الفضاء العام.

 

واستبق رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، الذي يحاول موضعة بلاده كجسر وساطة بين جانبي الأطلسي، القمة الأوروبية بإعلانه استعداد المملكة المتحدة لإرسال قوات تتولى تنفيذ اتفاق يتوصل إليه الأميركيون مع موسكو حول وقف الحرب، وتمثل أيضاً ضمانة أمنية لنظام كييف لليوم التالي. وأبلغ ستارمر حلفاءه الأوروبيين بأن «المواقف الأخيرة للإدارة الأميركية لا ينبغي أن تكون مفاجئة لأحد»، وأن أوروبا بالفعل محتاجة إلى «تحمل المسؤولية عن أمنها». وبشأن المفاوضات حول أوكرانيا، قال: «أوروبا يجب أن تلعب دوراً، ولكن أي تسوية أو ضمانات أمنية مستقبلية لأوكرانيا ستتطلب بالضرورة دعماً أميركياً، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لردع روسيا بشكل فاعل عن مهاجمة جارتها مرة أخرى».

 

ومن جهته، جدّد رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، موقف بلاده القائل إنه لا ينبغي اتخاذ قرارات بشأن وقف الحرب من دون أوكرانيا وأوروبا. وكان توسك قد وصف، قبل القمّة، المرحلة الحالية بأنها حقبة جديدة جديدة من العلاقات عبر الأطلسي، وحث القادة الأوروبيين الآخرين على تدعيم دفاعاتهم من دون تأخير، وعدم الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكيّة، قائلاً «إذا فشلنا، نحن الأوروبيون، في إنفاق مبالغ كبيرة على الدفاع الآن، فسنضطر إلى إنفاق عشرة أضعاف أكثر إذا توسعت الحرب». وبشأن الاقتراح البريطاني لإرسال قوات على الأرض، أعلن تاسك أن وارسو «لن ترسل قوات إلى أوكرانيا، ولكنها مستعدة لتوفير الدعم اللوجستي والسياسي للدول التي قد ترغب في تقديم مثل هذه الضمانات الأمنية لنظام كييف في المستقبل».

 

يشتبك الزعماء الأوروبيّون في «ركن الأطفال الذي وضعهم فيه الأميركي» في ما يتعلق بمستقبل أوكرانيا

 

 

أما المستشار الألماني، أولاف شولتس – الذي يواجه انتخابات حاسمة الأحد سيخسرها على الأرجح –، فقد حافظ على حذره الطويل بشأن نشر القوات، معتبراً «أن كل نقاش بهذا الشأن سابق لأوانه. وهذا هو الوقت الخطأ لإجرائه». ولم يُخْفِ أنّه «منزعج بعض الشيء من هذا الطرح»، وقال للصحافيين قبل دخوله اجتماع القمة: «لا أحد يفكر حالياً في إرسال قوات إلى أوكرانيا، بل إن السؤال الآن هو كيف يمكن ضمان السلام عند اتخاذ قرارات من دون إشراك الشعب الأوكراني؟». وسبق أن أجرى الرئيس الفرنسي اتصالاً هاتفيّاً بترامب عشية القمة الطارئة، لجس النبض على ما يبدو، فيما عُلم في باريس أنّه بناء على ذلك تقدّم الأول لضيوفه باقتراح فرنسي وسط يقضي بإرسال قوات دعم أوروبيّة إلى أوكرانيا حال نجاح وساطة الرئيس الأميركي، على أن تتمركز تلك القوات خلف خطوط وقف إطلاق النار، لا عليها مباشرة.

 

لكن وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريز، قال «إن السلام (في أوكرانيا) لا يزال بعيداً جداً ولسبب واحد فقط: فلاديمير بوتين». وشدد على أن أي مناقشة لنشر قوات أوروبيّة لحفظ السلام يجب أن تنظر في «أي مهمة، ومن أي قوات، وتحت أي علم، وبأي ولاية». وبحسب صحف بريطانيّة، فإن ستارمر اقترح، من جهته، أن تعود المجموعة نفسها التي التقت في باريس، لمزيد من المشاورات في لندن تالياً، وذلك بعد عودته هو من رحلة يعتزم القيام بها إلى واشنطن قبل نهاية هذا الشهر، وسيجتمع خلالها بترامب.

 

هكذا، يشتبك الزعماء الأوروبيّون في «ركن الأطفال الذي وضعهم فيه الأميركي في ما يتعلق بمستقبل أوكرانيا» – على حد تعبير أرمين بابيرجر، الرئيس التنفيذي لإحدى أكبر شركات الدّفاع الألمانية، في مقابلته مع «فايناشيال تايمز» اللندنيّة -، في وقت انعقدت فيه محادثات وصفت بالاستكشافيّة بين الجانبين الروسيّ والأميركي في الرياض. وأشاد الكرملين بالمحادثات باعتبارها خطوة لاستعادة العلاقات الثنائية الكاملة مع الولايات المتحدة وإنهاء الحرب، لكن لافروف لم يفوّت الفرصة للسخرية من الأوروبيين، وقال للصحافيين: «إن أوروبا لن يكون لها دور في المفاوضات»، مؤكداً أن الرئيسين ترامب وبوتين «اتفقا على تجاوز هذه المدة السخيفة جداً في العلاقات الأميركية الروسية».

 

على أن وزارة الخارجية الأميركية حرصت على التقليل من التوقعات بشأن نتيجة المحادثات، وقال ناطق باسمها إن اجتماع الرياض يهدف إلى تحديد ما إذا كان «الروس جادين، وما إذا كانوا على الصفحة نفسها» بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، وإنه لن تكون هناك مفاوضات مفصلة بقدر ما هي «متابعة» لمكالمة الأسبوع الماضي بين ترامب بوتين «حول ما إذا كانت مثل تلك المفاوضات ممكنة». أما الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي وصل إلى أبو ظبي ضمن جولة خليجية له، فقال إنه سيزور الرياض، ولكنه لا يشارك في المحادثات الأميركية – الروسية، وعبّر عن امتعاضه من استبعاد نظامه منها قائلاً: «أي مفاوضات بشأن أوكرانيا من دون أوكرانيا مفاوضات لا نتيجة لها، ولا يمكننا الاعتراف بأي اتفاقيات عنّا من دوننا».

 

ومن المقرر أن يلتقي زيلينسكي، لاحقاً هذا الأسبوع، بمبعوث ترامب لأوكرانيا كيث كيلوغ، الذي أوضح أن محادثاته مع أوكرانيا وروسيا كانت «متزامنة»، وأنه سيكون في كييف للتشاور مع القادة الأوكرانيين، لا لإبلاغهم بما يجب عليهم قبوله، مؤكداً أن «أي قرارات سيتخذها في النهاية رئيس أوكرانيا المنتخب وشعب أوكرانيا». ومع هذا، ليس سراً أن الولايات المتحدة تنتظر الآن توقيع الرئيس الأوكراني على اتفاق إذعان اقتصادي يمنح الولايات المتحدة حقوق نصف الاحتياطات المعدنية الأوكرانية الهائلة، بما فيها الليثيوم والتيتانيوم والجرافيت، وكلها مكونات أساسيّة في الصناعات العالية التقنية، وذلك مقابل مساعدة واشنطن لكييف خلال الحرب. ومن الجليّ أن الأميركيين يعتبرون تلك الاتفاقية، ضمانة أمنية وحيدة ممكنة لنظام زيلينسكي، وقد حسموا أمرهم مبكراً بأنهم لن يرسلوا قوات إطلاقاً إلى أوكرانيا سواء للفصل بين القوات المتحاربة، أو لحفظ السلام.

 

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١ الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ترامب يصف زيلينسكي بأنه “ديكتاتور من دون انتخابات” ويتهمه بجر الولايات المتحدة الى حرب لا يمكن الفوز بها

وصف دونالد ترامب الأربعاء فولوديمير زيلينسكي بأنه “ديكتاتور من دون انتخابات”، بعدما رفض الرئيس الأوكراني الانتقادات التي وجهها إليه الرئيس الأميركي الثلاثاء. وقدّمت الولايات المتحدة ...