الرئيسية » كتاب وآراء » أوكرانيا: تعب الغرب ولم تخضع روسيا

أوكرانيا: تعب الغرب ولم تخضع روسيا

| ليلى نقولا

هناك عدة مؤشرات سابقة بدأت تشير إلى أنّ الغرب استنفد الخيارات المتاحة أمامه لإخضاع روسيا واستنزافها في الحرب الأوكرانية.

ذكرت صحيفة “دي فيلت” الألمانية أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، طلبوا من الرئيس زيلينسكي، “خلف الأبواب المغلقة”، استئناف المفاوضات مع فلاديمير بوتين. وكتبت الصحيفة أن الضرر الاقتصادي، الذي تعانيه بلدانهم بسبب العقوبات التي سببتها الحرب، أصبح أكبر ومن الصعب تعويضه، إذ “تباطأ النمو الاقتصادي على نحو حاد، ووصل التضخم إلى مستوى قياسي”.

وعلى الرغم من النفي الأوكراني، فإن تصريحات المسؤولين الأوكرانيين، التي قالت إن “شركاء أوكرانيا الأجانب مهتمون فقط بامتلاك أوكرانيا الموقفَ التفاوضي الأكثر فائدة”، وإن “أوكرانيا ستعاود المفاوضات بحلول نهاية شهر آب/أغسطس”، تشير إلى أن الموقف الغربي بدأ يتبدّل، وأن العرض الأوروبي، بشأن وضع أوكرانيا في لائحة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ما هو إلّا جائزة ترضية للقبول بالتنازلات وإنهاء الحرب، مع إعطاء كييف مهلة لتحسين موقفها التفاوضي، عبر بعض المكاسب العسكرية، وهو ما دفع جونسون إلى القول إنه يجب استمرار دعم أوكرانيا، محذّراً العالم من “التعب من أوكرانيا”.

لا شكّ في أن عدة مؤشرات سابقة كانت بدأت تشير إلى أن الغرب استنفد الخيارات المتاحة أمامه لإخضاع روسيا واستنزافها في الحرب الأوكرانية، وأن هزيمة روسيا عسكرياً، وإذلالها وتجويعها، كما توعّد الغرب، لا يبدو أنها خيارٌ متاحٌ. ومن تلك المؤشرات ما يلي:

1- التيقّن من عدم القدرة على هزيمة الروس عسكرياً:

في وقت سابق، حمّل الرئيس الأميركي، جو بايدن، نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في أوكرانيا، معتبراً أن زيلينسكي “لم يُرِدْ سماع” التحذيرات الأميركية قبل التحرك العسكري الروسي، وأن الأميركيين كانوا يملكون “معلومات، مُفادها أن بوتين كان في طريقه من أجل عبور الحدود. لم يكن هناك شكّ (في هذا الأمر)، وزيلينسكي لم يرغب في سماع ذلك”. وأتى الردّ الأوكراني سريعاً، عبر أحد مساعدي زيلينسكي، الذي عدّ أن هذا الاتهام “سخيف”.

عملياً، بدأت الاتهامات تتصاعد من جانب حلفاء أوكرانيا، من أجل تحميل زيلينسكي والقوات الأوكرانية مسؤوليةَ الفشل العسكري. فلقد أكدت أفريل هينز، مديرة الاستخبارات الأميركية، خلال الإدلاء بشهادتها في جلسة استماع في مجلس الشيوخ، في أيار/مايو المنصرم، أن لدى الأميركيين “نظرة واضحة (إلى الأمور العسكرية) لدى الجانب الروسي أكثر مما لدينا لدى الجانب الأوكراني”، كما ذكرت “نيويورك تايمز”، نقلاً عن مسؤولين في البنتاغون، قالوا إنهم مستاؤون من عدم معرفتهم الاستراتيجيةَ العسكرية الأوكرانية، وإنها غير واضحة.

2- الخطأ في تقييم قدرة الاقتصاد الروسي:

لطالما تحدّث المسؤولون في الغرب عن أن الاقتصاد الروسي ضعيف جداً، وأنه بحجم اقتصاد إيطاليا، أو أقل من حجم اقتصاد إسبانيا. انطلاقاً من هذا التقييم، عَدّ الغربيون أن العقوبات ستؤدي إلى تجويع الروس وتركيعهم بسرعة، وهو ما لم يحدث.

يعدّ الاقتصادي الفرنسي المعروف، جاك سابير، أن أحد الأسباب الرئيسة لسوء التقدير الغربي هو أسعار الصرف. يقول سابير في مقابلة حديثة: “إذا قارنت إجمالي الناتج المحلي لروسيا عن طريق تحويله من الروبل إلى الدولار الأميركي، فستحصل بالفعل على اقتصاد بحجم الاقتصاد الإسباني. لكن هذه المقارنة لا معنى لها من دون احتساب معادلة القوة الشرائية، التي تمثّل الإنتاج ومستويات المعيشة… وهكذا، عندما تقيس الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، بناءً على معادلة القوة الشرائية، حينها يصبح الاقتصاد الروسي بحجم الاقتصاد الألماني (نحو 4.4 تريليونات دولار لروسيا في مقابل 4.6 تريليونات دولار لألمانيا).

ويعدّ سابير أن الخطأ الغربي كان في التركيز على حجم قطاع الخدمات، على نحو مبالغ فيه، مقارنة بالقطاع الصناعي والسلع، مثل النفط والغاز والنحاس والمنتوجات الزراعية. فإذا قلّلنا الأهمية النسبية للخدمات في الاقتصاد العالمي، فسيصبح الاقتصاد الروسي أكبر كثيراً من اقتصاد ألمانيا، ويمثّل على الأرجح 5% أو 6% من الاقتصاد العالمي”.

ويقدّر سابير أن روسيا “تمثّل ما يصل إلى 15%” من التدفقات التجارية العالمية، فهي أكبر مصدّر للنفط والقمح عالمياً. كما تسيطر على نحو 19.5% من الصادرات العالمية: النيكل (20.4%)، والحديد نصف النهائي (18.8%)، والبلاتين (16.6%)، والأسماك المجمّدة (11.2%)”.

في النتيجة، كان واضحاً أن الاقتصاد العالمي، والاقتصاد الغربي تحديداً، تأثّر – لربما أكثر – من الاقتصاد الروسي نتيجة العقوبات، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع التضخم، الأمر الذي اضطر البنوك المركزية إلى زيادة أسعار الفائدة، وهو أمر سيؤدي إلى الركود الاقتصادي وتباطؤ النمو.

وهكذا، انطلاقاً مما سمّاه جونسون “التعب من أوكرانيا”، قد يكون من الأفضل للأوروبيين أن تنتهي الحرب الأوكرانية خلال الصيف، وقبل حلول فصل الشتاء، مع ما يترتب على ذلك من زيادة في استهلاك الطاقة. لذا، مطلوب من الأوكرانيين أن يتحضّروا لبدء المفاوضات، مع إعطائهم مهلة لمحاولة تغيير موازين القوى الميدانية.

لكن، في المقابل، سيستغل الروس هذه المهلة أيضاً، وسيعتبرون أن عليهم أن يمتلكوا مزيداً من أوراق القوة قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وسيعمدون، خلال هذه المهلة، للحسم وضمّ مزيد من الجغرافيا الأوكرانية. وبالتالي، سيكون الصيف الأشد ضراوة عسكرياً، وسيكون العالم أمام مزيد من التصعيد، قبل حلول موعد بدء المفاوضات.

سيرياهوم نيوز 3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يعلن ترامب الحرب على الصين؟

نور ملحم في وقت يستعد فيه الجيش الأمريكي لحرب محتملة ضد الصين، ويجري تدريبات متعددة لمواجهة ما سُمي بـ«حرب القوى العظمى»، بدأت بكين في بناء ...