حسين فحص
يشارك العديد من الرياضيين والرياضيات في «الأولمبياد» لكسب الميداليات وتشريف بلادهم. وبعيداً عن الدوافع «الحالمة»، يسعى أغلب «الأولمبيين» إلى استغلال الحدث بهدف حصد أكبر قدر ممكن من العائدات. ساعات طويلة يقضيها المتنافسون في التدريب، مع صرفهم عشرات الآلاف من الدولارات للحصول على فرصة المنافسة في الألعاب الأولمبية. وعليه، يحول الالتزام الكبير مراراً دون إمكانية الرياضيين تأمين وظيفة ثابتة، ما يجعل من البديهي أن يسعوا إلى التعويض في مجالات أخرى
التألق في الأولمبياد أمام أنظار أكثر من نصف سكان الأرض يشكل فرصة ذهبية للمشاركين كي يجذبوا أعين الرعاة تحديداً. ومع ذلك، يبقى الأمر غير مضمون، إذ إن تفاوت مهارة الرياضيين ومدى شعبية «لعبة» مقارنةً بأخرى، يجعل شريحة كبيرة من الأولمبيين يدخلون الألعاب بحصيلة أكبر مقارنةً بتلك التي يغادرون بها.بالطبع، يمكن لأولمبيو النخبة مثل ليبرون جيمس وقبله مايكل فيلبس ويوسين بولت جني عشرات الملايين من صفقات الرعاية وحملات التسويق… لكن معظم الرياضيين الأولمبيين لا يحصلون على مثل هذه العروض. يدعم ذلك دراسة استقصائية أجريت عام 2020 على 500 رياضي على المستوى الأولمبي في 48 دولة، خلصت نتيجتها إلى أن 58% منهم لا يعتبرون أنفسهم «مستقرين مالياً».
ويزداد سوء الحال بعدم وجود جوائز مالية محددة أو كافية تُمنح لكل رياضي أولمبي، حتى بالنسبة إلى الحائزين ميداليات. بدلاً من ذلك، يُترَك الأمر للدول وهيئاتها الرياضية الحاكمة لتحديد أموال الجوائز، إن وجدت أصلاً. على سبيل المثال، تبلغ أموال جائزة المتوّجين الأميركيين بالميداليات الذهبية الأولمبية 37500 دولار، مع حصول الفائزين بالميداليات الفضية والبرونزية على 22500 دولار و15000 دولار على التوالي. هذا الرقم يختلف بين بلدٍ وآخر تبعاً لعوامل متعددة؛ منها مدى الحضور على منصات التتويج، ليصل أوجه في هونغ كونغ وسنغافورة اللتين تعطيان أكبر حوافز بالنسبة إلى حاصدي الميداليات الذهبية من مواطنيها، بواقع 768 ألف دولار و745 ألف دولار تباعاً.
وعليه، للتغلب على الاحتمالات التقليدية الضئيلة للبحبوحة من البوابة الأولمبية، يشق الرياضيون في النسخة الجارية طريقاً جديداً يمكّنهم من القيام بما يحبّونه وكسب المال في الوقت نفسه: «السوشيل ميديا».
أدّى تخفيف اللجنة الأولمبية الدولية عوائق سياساتها دوراً كبيراً في طفرة «السوشيل ميديا» بالنسبة إلى الأولمبيين
في أولمبياد باريس 2024 وقبله في طوكيو (بشكل جزئي)، تحوّلَ إنشاء الرياضيين لمحتوى تفاعلي من سبيل «إلهاء وتسلية» إلى حجر أساس في بناء علامة تجارية خاصة. أغلب الأولمبيين المشاركين في ألعاب العاصمة الفرنسية يملكون حسابات على منصات التواصل الاجتماعي، وتحديداً عبر تطبيقات «TikTok» و«Instagram» و«YouTube»، تمكّنهم من كسب عائدات جيدة من خلال مشاهدات الجماهير وحدها، من دون إغفال الصفقات المرتقبة من تسويق وما إلى ذلك…
وقد أدى تخفيف اللجنة الأولمبية الدولية عوائق سياساتها المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي وحقوق الملكية دوراً كبيراً في طفرة «السوشيل ميديا» بالنسبة إلى الأولمبيين، إذ لم يُسمح للرياضيين في «ألعاب» ريو دي جانيرو عام 2016 إلا بنشر الصور وكانوا بحاجة إلى موافقة اللجنة الأولمبية الدولية قبل مشاركة الصوت أو الفيديو. تضييقات تغيّرت جزئياً في أولمبياد طوكيو، حيث مُنح الرياضيون الإذن بنشر مقاطع فيديو ولكن ليس من مراسم الافتتاح أو الاختتام أو في مناطق المنافسة، لتتغيّر الأمور «كليّاً» في الألعاب الجارية في باريس، حيث أصبح باستطاعة الرياضيين نشر محتويات أولمبية مختلفة وفي أغلب الأوقات.
هذه التسهيلات ساهمت تباعاً في زيادة التفاعل، حيث أظهرت الأرقام وجود 233440 منشئ محتوى استخدم وسم الأولمبياد في الأيام الخمسة الأولى من ألعاب باريس 2024، ما يمثّل زيادة بنسبة 822% عن أولمبياد طوكيو، تبعاً لتصريح صدر عن رئيس الشراكات الرياضية العالمية في تطبيق «تيك توك»، رولو غولدستاوب.
تجدر الإشارة إلى استخدام العديد من الأولمبيين منصات التواصل الاجتماعي لأهدافٍ مختلفة، تعود عليهم غالباً بعائدات مالية حتى ولو لم يشكّل ذلك الهدف الأساسي وراء النشر. رياضيون مختلفون استخدموا منصّتَي تيكتوك وإنستغرام تحديداً في فعاليات باريس للإضاءة على رياضاتهم التي لا تلقى عادةً رواجاً كبيراً مقارنةً بألعاب أخرى (النسائية على وجه الخصوص)، في حين هدفَ البعض من خلال نشر المحتويات إلى إشراك المزيد من الأطفال الذين يواجهون تنمّراً بسبب أصلهم ولون بشرتهم وفقرهم في عالم الرياضة.
تركيا – تكلفة زراعة الأسنان بالفم الكامل قد تفاجئك تمامًا
زراعة الاسنان في تركيا
أكثر من نصف مليار منشور
(أ ف ب )
وفقاً لتقديرات اللجنة الأولمبية الدولية، سوف تولّد ألعاب باريس 2024 أكثر من نصف مليار منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا لا يشمل التعليقات.
يتضمن الكثير من هذه المنشورات هتافات وتعبيرات فخر وطني جنباً إلى جنب مع الكراهية والمضايقة وحتى التهديدات بالعنف.
الشق السلبي من «البوستات» والتعليقات يشكل خطراً كبيراً على الصحة العقلية للرياضيين، وعلى أدائهم في الألعاب، ما جعل العديد من الأولمبيين يعزفون عن التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي بمعزل عن الفوائد المختلفة التي يحصدها رياضيون آخرون.
وللحؤول دون التأثير السلبي على «أولمبيّي» باريس الذين يمرّون سلفاً بضغوط كبيرة جراء المنافسة، لجأت اللجنة الأولمبية الدولية إلى حماية رياضيّيها من الإساءة عبر الإنترنت من خلال إطلاق نظام مدعوم بالذكاء الاصطناعي يقوم بمراجعة أي شيء يتم نشره ويتعلق بالألعاب الأولمبية.
خطوة فعالة نسبياً جرى اعتمادها بعدما أصبحت الإساءة الرقمية قضية متنامية داخل عالم الرياضة، توازياً مع دعوة العديد من الرياضيين والرياضيات إلى بذل المزيد من الجهود لحمايتهم.
سيرياهوم نيوز١_الاخبار