بقلم:عبد الفتاح العوض
هذه المقولة لنيتشه والذين يقرؤون لنيتشه يعرفون موقفه من البشر بشكل عام. مفهوم العزلة يختلف عن الشعور بالوحدة.. سنضع جانباً الحديث عن الشعور بالوحدة لنهتم أكثر بالعزلة. كل منا بشكل أو بآخر يميل ليعتزل الناس فترة من الوقت تطول أو تقصر لأسباب كثيرة يمكن تسميتها خلوة أو أي اسم آخر يؤدي فعل عدم الاختلاط مع الناس. علماء النفس يقولون عن هذه الحالة «الاختباء في الكهف» إذ إن معظمنا عندما يجدون أنفسهم أمام قلق ما يذهبون نحو دواخلهم ويدخلون كهوفهم.. كارل يونغ قال عن حالة العزلة العيش في «الكون الصغير». لم يذم أحد من الفلاسفة العزلة أبدا ورغم البدهية المعروفة أن الإنسان كائن اجتماعي إلا أن مديح العزلة يعتبر جزءا من ثقافة البشر سواء العلماء أم الجهلاء. مع الفارق بين من يعتبر أن العزلة عن الناس هي درء لأذاهم وبين من يتعامل مع العزلة من منظور فكري خالص. الإمام الخطابي في كتاب سماه العزلة قال عنها «تنفع علماء العقلاء وهي من أضر شيء على الجهال ثم يقدم نصيحة مباشرة: تفقه ثم اعتزل». بقاء البشر وحدهم يؤثر في ملكاتهم العقلية بينما ثمة أشخاص يعتبرون العزلة باباً لأفكار جديدة ولحالات إلهام خاصة. الأنبياء والفلاسفة على حد سواء تعاملوا مع العزلة بإحدى صيغتيها إما بالتأمل الروحي للأنبياء أو التأمل الفكري بالنسبة للفلاسفة. والمتصوفة أيضاً ذهبوا في جمع النوعين معاً وإن كانوا أقرب للتأمل الروحي. في الحديث النبوي «ليسعك بيتك». أما عندما نتحدث عن الناس بشكل عام فإن الفكرة الأساس لاعتزال الناس هو الأمان من شرورهم وغالبا ما يتم التعبير عن ذلك بأساليب مختلفة منها الحكم والأمثال والشعر وغير ذلك مما يتداوله الناس عن الدعوة لاعتزال الآخرين. مقياس الصحة النفسية ما زال عند معظم العلماء هو القدرة على التعامل مع الناس ويضع خبراء التنمية البشرية نسبة كبيرة جداً لأسباب النجاح في القدرة على بناء علاقات عامة والاختلاط بالناجحين. لكن ثمة من له رأي آخر ويعتبر مقياس الصحة النفسية هو القدرة على أن تكون وحيداً. من الأفضل مخالطة الناس أم اعتزالهم؟ أختم معكم بالغوص أبعد، وأعمق.. هل الاعتزال موقف بحد ذاته؟البعض يعتبر اعتزال الناس موقفاً سلبياً وخاصة في الأحداث المهمة والتي تحتاج لاتخاذ قرار وموقف؟ وهناك من يعتبر أن الاعتزال هو عين الصواب في أيام الفتن الكبرى. أقوال: العز في العزلة لكنه لابد للناس من الناس. لا أحد يحب العزلة. أنا فقط أكره الخيبة. الْحِكْمَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ: َتِسْعَةٌ مِنْهَا فِي الصَّمْتِ وَالْعَاشِرَةُ: عُزْلَةُ النَّاسِ. مَنْ خَالَطَ النَّاسَ دَارَاهُمْ، وَمَنْ دَارَاهُمْ رَاءَاهُمْ.
(سيرياهوم نيوز-الوطن)