أين الاستعداد للسيناريو الأسوأ؟
علي عبود
نعم، لقد فاجأنا وزير النفط والثروة المعدنية المهندس بسام طعمة مؤخرا بتصريح صادم: (إن أزمة المحروقات لم تكن وليدة ليلة وضحاها، بل هي مستمرة منذ أكثر من 50 يوماً)!
لقد صدمنا هذا التصريح لأنه يوحي للمراقب غير المتابع، بأن المحروقات كانت متوفرة بكميات كبيرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وبأن الأسرة السورية تحصل على احتياجاتها الفعلية من مازوت التدفئة بالسعر المدعوم أو الحر، وبأن المزارعين والصناعيين لا يعانون إطلاقا من إمدادهم بالمحروقات وفق احتياجاتهم، ولا يلجؤون أبدا إلى شرائها من السوق السوداء!!
وكل الحلول التي أعلنتها الجهات الحكومية لمواجهة النقص الشديد في المحروقات لا يعني أن الحكومة فوجئت بالأزمة، فما من مواطن وما من منتج إلا ويعاني الأمرّين من أزمة المحروقات المستعصية على الحل منذ أعوام وليس خلال الأسابيع الأخيرة فقط، فالأزمة ليست مستجدة، بل قائمة ومستمرة وتتجه إلى تأزم أكثر فأكثر بفعل انعدام الرؤية والتخطيط لتأمين احتياجات العملية الإنتاجية على الأقل من المحروقات مهما كانت الصعاب والتحديات.
وإذا كانت التوريدات النفطية توقفت لمدة شهرين لأسباب مختلفة، ألا يفترض في هذه الحالة سؤال الجهات المسؤولة وتحديدا وزارة النفط: أين استعداداتكم للسيناريو الأسوأ؟
الأزمة الحالية توحي للسوريين إن مامن استعدادات، أي ليس هناك سيناريوهات بديلة سوى سيناريو استنزاف الاحتياطي، وهو اضطراري لتجنب توقف المرافق الأساسية، وهذا الواقع يعكس انعدام الرؤية والتخطيط في قطاع حيوي كالمحروقات يلحق الضرر بالعباد وباقتصاد البلاد!
وبما أننا مع ملايين السوريين لا نصدق بأن أهم صديقان لسورية هما روسيا وإيران غير قادرتان على إمدادها بتوريدات آمنة وكافية، فهذا يعني احتمال واحد فقط، وهو إن المتوفر من القطع الأجنبي غير كاف لاستيراد كميات كبيرة من المحروقات، والدليل تقزيم مازوت التدفئة بل وعدم توزيع حتى الـ 50 ليترا الهزيلة لجميع الأسر السورية، واضطرار الصناعيين والمنتجين إلى شراء المادة من السوق السوداء!!
ولفتنا أن وزير النفط بدّد الاعتقاد السائد بان لدى سورية احتياطي استراتيجي من المحروقات، مؤكدا (أنه لم يكن أبداً في سورية خلال المرحلة السابقة كفاية إلى حد يسمح لها بتكوين مخزون إستراتيجي حيث تلبي فيه الانقطاعات لفترة طويلة، إذ كان ما يوّرد من المشتقات هو حسب الحاجة فقط)!!
ولا ندري ماذا قصد الوزير بقوله (كان ما يوّرد من المشتقات هو حسب الحاجة فقط) ، لأن كل السوريين وتحديدا المنتجين في القطاعيين الزراعي والصناعي لا يحصلون على الحد الأدنى من احتياجاتهم، وهل كمية 50 ليتر من مازوت التدفئة هي الاحتياجات الكافية للأسرة السورية سواء كانت ساكنة في المدن أو الأرياف ، ومع ذلك لم تصل إلى 60% من المخصصين بها؟
ولكن الملفت إن هذا الأمر لم يكن مقلقا للحكومة لأنه كما قال الوزير(لم يكن متوقعاً تأخر التوريدات لذا كان هناك اضطرار لاتخاذ إجراءات أشد قسوة)!
تصوروا أن بلدا يتعرض للعقوبات والحصار لا يتوقع تأخر توريدات النفط، ماذا يعني هذا الكلام؟
أما أن إيران وروسيا تضمنان فعلا وصول الإمدادات إلى سورية، وبالتالي لا داعٍ للقلق من تأخيرها، والدليل أن الإمدادات من إيران لم تتوقف إلا بعد تجميد سورية لخط الائتمان الإيراني، أو إن المشكلة بعدم تمويل الإمدادات بالقطع الأجنبي، وهو الاحتمال الفعلي، وهذا يعيدنا إلى خيار السماح للقطاع الخاص باستيراد النفط للصناعيين والمنتجين ، وبالتالي بناء مخزون استراتيجي من المحروقات مثل مخزون القمح.
الخلاصة:
حسب المعطيات فإن ما من خطط قريبة ولا حتى بعيدة لحل أزمة المحروقات، واللجنة الاقتصادية تتعاطى معها كحالة مستقلة، دون مناقشة الآثار الكارثية لتقنينها إلى حد التقتير على اقتصاد البلاد، فالقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني يتراجع، بل يتدهور باتجاه الأسوأ، والقطاع الصناعي يعمل بالحد الأدنى، وأزمة المواصلات تخنق المواطنين، والغابات والحراج باتت وقودا مجانية للتدفئة..الخ!!!
(سيرياهوم نيوز4-البعث)