| إسماعيل مروة
الأحد, 15-08-2021
رسالة بسيطة ذات محتوى وجداني غرامي استطاع الرحابنة من خلالها أن يتحدثوا عن معضلة حقيقية، وهي الحقيقة ووجودها وكينونتها؟
فهل الحقيقة موجودة؟ وما المؤثرات التي تخضع لها؟ وما مقدار الصحة والخطأ فيها؟ ونوعية من ينظر إلى الواقع، فهذا يراه حقيقة، وذاك يراه غلطاً، وثالث يراه أمراً واقعاً! وكل ذلك يخضع لزاوية الرؤية التي ينظر فيها هذا الشخص أو ذاك، وربما ضيق واتساع زاوية الرؤية التي ينظر منها! وما علاقة الحقيقة بالقارئ أو المتابع وغاياته؟ لينتهي الأمر إلى معضلة وجودية طرحت بأبسط صورة، فرسالة من أسعد بن شهدان لابنة المختار كانت كافية عن أطروحات في الفكر والفلسفة عمقاً وطرافة، فاستطاعت أن تصل إلى لبّ المشكلة المعضلة، فساعي البريد يقرؤها بفطرية ويناله ما يناله من عقاب المختار، ومعلمة المدرسة تريد أن تتحفظ على الحب، فقرأت الرسالة بطريقتها هي محاولة إخفاء الواقع، وتقديمه بصورة مغايرة أكثر قبولاً من والد الفتاة، وشهدان هو القارئ الذي قرأ الرسالة ليحقق مطامحه ويغيظ المختار!
وحين تكثر القراءات، يهب الجميع وبلهجة الكورس:
(أنت لا تفكر، نحنا منفكر عنك)
هنا لبّ الفكرة والأغنية، وليس كل ما جرى من قراءات تتميز بالطرافة وحسب، قدّمت بنغم وموسيقا جاذبة، وفي قالب حكائي لطيف، نحن من نقرأ كما نشاء، وبتعدد القارئين تتعدد القراءات، فمهما كان عدد القارئين فإن الاحتمالات تكون بعددهم، وذاك ناتج عن التأويل والمصلحة وما شابه ذلك.
الحقيقة مفهوم غير موجود على الإطلاق، وهو مفهوم غيبي سام، لذلك دعي الله سبحانه بالحق، فلا أحد يعرف الحقيقة أو يطاولها، لذلك هي مفهوم قابل للتأويل من الأشخاص والقرّاء، وهذا ما أفقدها قيمتها ومكانتها، لأن كل شخص وفق تأويله يظن أنه يملك الحقيقة، أو على أقل تقدير يفهمها أفضل من غيره، فالقوي يعرف الحقيقة ويملكها، والدول والحكومات تملك معرفة الحقيقة وتملكها، والناس البسطاء يقتلهم الغرور والأمل والغيب، ويظنون أن الحقيقة مع الدراويش!
ويبقى الدراويش في رحلة البحث عن الحقيقة، وحقيقة الدراويش مختلفة، فهي مزينة بالغيب والآخرة، والانتظار لظهور الحقيقة ذات يوم، ويرحل هؤلاء، ويرحل أولادهم، ويرحل أحفادهم، وهم ينتظرون ما لا ينتظر! ينتظرون الحقيقة! وأنّى لها أن تكون سوى بتجلي الألوهة على الأرض؟!
صورة من صور الحقيقة هي القوة والضعف، ولكن هل نقلب هذه الصور على أوجهها لنحيا بعيداً عن البحث في الحق والحقيقة؟
الواقع أمر آخر يحمل الكثير من المتناقضات، يحمل القبح والجمال، الوفاء والغدر، الخسة والنبل، إلى ما لا نهاية من المتضادات التي تصنع مجتمعاً واقعياً محدد المعالم، ندور في فلكه، ونحاول البحث عن طرائق أجمل للحياة، وفق ما بين أيدينا من معطيات.
أنت لا تفكر:
دعوة صريحة تستجلب الضحك من الحاضرين أو السامعين أو المشاهدين، ويتلون الضحك بالسخرية حيناً، وبالتحدي أحياناً، وبهزّ الرأس دليل موافقة ممن وصل مرحلة أعمق في الفهم والقراءة، والتأويل، فهذا الأمي قراءة لم يستطع أن يقرأ الرسالة الموجهة إلى ابنته، وهي خاضعة لأمزجة ومصالح من يملك فكّ الحرف، ليقرأ كما يشتهي هو، وكما يرغب هو، فمن فكّ أميته القرائية يتحكم في الآخر الذي لا يزال يغط في أمية تمنعه من القراءة، وما عليه إلا التسليم إلى أن يخرج من الواقع الذي وضع نفسه فيه ليقرأ ما يريد بنفسه من دون أن يخضع لأمزجة من يقوم بالقراءة عنه نيابة أو أصالة، وحين يقرأ هو سيجد نفسه مضطراً للقراءة وفق الظرف والمعطيات، وأن يغمض عينيه عن عبارة لا تعجبه أو لا يحبها، لأن الغاية الأساسية هي قراءة الواقع، وليس البحث عن الحقيقة.
الحقيقة يقين وجوهر، ونحن نمضي أعمارنا في البحث عن اليقين، وحين نصل إلى اليقين نكون قد ألقينا أسلحتنا وشارفنا على مغادرة هذه الحياة، ونبدأ التحسر على ما أضعنا من أشياء في قضايا لا تستحق!
ومع أننا نقرأ ونتابع ونشاهد إلا أننا لا نزال نتمسك بما سنتخلى عنه ذات لحظة من زمن قادم.. قليلاً ما نجد في المسيرة من أدرك أن الحياة واقع، وأن الواقع وجد ليُعاش، وبأن العيش يكون بالحب، ولا شيء سوى الحب.
فليأخذ من شاء ما شاء، وليظن نفسه أنه في قلب السعادة والحقيقة، لكنه سيأتي يوم يجلس فيه لاجترار روحه واكتشاف فداحة ما أضاع، ولكن لن يسلّم بأنه أضاع، بل سيقول بأنه أراد وفعل ويحارب طواحين الهواء التي تصل مراوحها إلى الآخرين لطحنهم من جديد بعد أن دارت الرحى فلم تبقِ منهم شيئاً.
(سيرياهوم نيوز-الوطن)