الرئيسية » كلمة حرة » أين الضمير..؟!

أين الضمير..؟!

مالك صقور

يعود بي الحديث إلى عام 1969 في مطلع تشرين الثاتي . كنت والمرحوم حيدر علي في السنة الأولى ، بكلية الآداب ، في مطعم الجامعة ، ذلك المطعم الذي لا ينساه معظم الطلاب في ستينات وسبعينات القرن الماضي ، حيث كانت الخدمة ذاتية .. والأهم من ذلك ، الوجبات الغذائية الغنية وأسعارها الزهيدة ..وقف حيدر بالدور فيما حجزت طاولة . اقتربت طالبة و استأذنت بالجلوس ومعها زميلتها تقرأ لها تتمة مقالة في مجلة .
فجأة نهضت الفتاة وزميلتها عندما أشار لهما زميل باقتراب دورهما و تركت المجلة مفتوحة على مقالة للأديبة غادة السمان .وبعد أن استقرت الفتاتان على طاولة مجاورة ، أشرت لهما بالمجلة ، فقالت التي كانت تقرأ : لقد قرأنا المجلة ، ومعنا غيرها .
كانت المجلة ، هي مجلة ” الحوادث ” وكانت المقالة بعنوان : ” ..لأنه كل ما تبقى لنا !؟ ”
تناولت الأديبة غادة السمان موضوعا غاية في الأهمية .. كتبت أن صديقا لها في منظمة فلسطينية فدائية ، استلم رسالة من صحفي سويدي .. وضَمن الرسالة شيكا بمبلغ (1500) دولار متبرعا بها للعمل الفدائي !! ( أي ما يقارب 4000ليرة لبنانية) . ثم تسجل رقم الشيك المؤرخ في تاريخ 31 -1 -1969 من سكاندينافيسكا بانك “.

تقول غادة السمان : إن الصحفي المتبرع أوروبي سويدي أبا عن جد .. وكل مافي الامر أنه زار معسكرات الفدائيين ، كأي صحفي أوروبي آخر ، أقام بين الفدائيين المنذورين للموت .. التقط مجموعة من الصور وعاد إلى بلاده ، كما يعود أي مراسل أو صحفي ، أدى مهمته .
تتساءل غادة السمان : ماالذي دفع هذا الغريب الأجنبي إلى مثل هذا التصرف المفاجئ ؟
وكان الجواب في رسالة هذا الصحفي ، التي جاء فيها :
” عزيزي ..
أمس نظرت في ميزانيتي للعام الماضي ، واكتشفت أنني أدخلت إلى هذه الميزانية مبلغا كبيرا من المال ، هي حصيلة ثمن المواضيع التي صورتها وكتبتها عن الفدائيين . أنبني ضميري وشعرت بالعبء ،فكأنسان لا أستطيع ان أعتبر معركتكم النبيلة مناسبة للكسب الشخصي المالي ، أبعث مع هذه الرسالة شيكا بمبلغ 1500 دولار أميركي تبرعا متواضعا مني للرجال الذين رأيت بعيني عظمة المعركة التي يخوضونها وعظمة استعدادهم للتضيحة في سبيلها ” .
.. وتعود غادة السمان للتساؤل :
– لماذا كان هذا الغريب أكثر قربا إلى العمل الفدائي من بعضنا ؟
– لماذا التقط هذا الرجل السويدي الذي يعيش على بعد آلاف الاميال من أرضنا الرسالة الحقيقية للمعركة التي يخوضها الفدائيون لاسترداد الأرض ..
– لماذا كان ذلك الثوري القادم من آخر الدنيا قادرا على تحويل التزامه الفكري إلى سلوك عملي منسجم مع قناعته؟
إن رسالة هذا الصحفي السويدي وقدرته الجادة الحرة على محاسبة الذات تفتح العين علىأكثر من جرح عربي ، وتلفت النظر إلى طبقة من المرتزقة الثوريين الذين يتاجرون بالقضية .
وختمت الأديبة غادة السمان مقالتها قائلة :
” إنها لمأساة في بلادنا أن لا نجد لدى بعض مناضيلنا من الثورية سوى بطاقاتهم الحزبية من السلوك الإنساني الحق..”
والآن ، الآن .. أعود إلى مقالة غادة السمان بعد خمس وخمسين سنة ، لأن الفدائيين المنذورين للتضحية وللموت يخوضون أشرس وأشرف المعارك في سبيل تحرير الأرض من رجس الصهاينة …
ولكي أذكّر بقول الصحفي السويدي : ” أنبني ضميري ” … من منا اليوم أيها العرب يؤنبه ضميره ؟!
ولكن هل نعود لتعريف الضمير ؟ أو الوجدان ؟
حقا اين الضمير العربي ؟ الأخلاقي ؟ الإنساني ؟
والقدس تناديكم ! والأقصى يناديكم ! وغزة تناديكم!
(خاص لموقع سيرياهوم نيوز ٢)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المجالس الاستشارية والمجالس التمثيلية: بين المشورة واتخاذ القرار

  حسان نديم حسن في ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم وتنامي أهمية المؤسسات التشاركية، تبرز المجالس الاستشارية والمجالس التمثيلية كأدوات حيوية للإدارة وتقديم الخدمات ...