عبد الفتاح العوض
لو سأل أحد المسؤولين هذا السؤال للمواطنين.. من أين لكم هذا أو حتى يصح من أين لكم كل هذا!! فيبدو السؤال صادماً جداً، وبالغ الغرابة فالأصل أن يسأل الناس المسؤولين من أين لكم هذا… الذي يحدث على أرض الواقع أن قرارات المسؤولين تقول للمواطن من أين لك هذا ولسان حال قراراتهم تقول للمواطن فعلاً عظمك ذهب. يرفعون البنزين فيبقى الازدحام على البنزين.. يرفعون السكر فيزيد في السوق السوداء ويشتريه.. ثم يقرأ المسؤول عن امتلاء الفنادق والشاليهات بفترة الأعياد.. ويعرف من أولاده ومرافقيه أن المولات ممتلئة. يستنتج «بذكائه الطبيعي».. أن المواطن السوري «غني» وأن الفقر إشاعة. لا يمكن تبرير عقلية الجباية التي ينتهجها الفريق الاقتصادي الحكومي وحتى غير الاقتصادي إلا بفقر أفكارهم واختيارهم للحلول السهلة والمؤذية، وأنهم لا يصدقون أن موظفيهم فقراء. أيها السادة تخفيض عجز الموازنة ليس هدفاً بحد ذاته، وهذا الأمر يعلمه المبتدئون بالاقتصاد.. واختيار آليات رفع الدعم بهذه الطريقة ليست إلا ترقيعاً.. والخيار في هذا الموضوع إما أن يبقى الدعم وإما يتغير كلياً.. لكن لا تستطيع أي حكومة أن تفعل ذلك الآن لأن التوقيت غير ملائم. تخفيض عجز الموازنة لا يتم بزيادة عجز الناس… هذا أسلوب ضار جداً. الأصل في حل المعضلة الاقتصادية إيجاد موارد وإيرادات جديدة.. وهذا الأمر لا يتم من خلال جيوب المواطنين الفقراء وأشباه الفقراء!! لنتفق على أن العالم يعاني اقتصادياً لكن هناك أفكاراً دوماً للحد من الأزمات وليس زيادتها وما يجري الآن زيادة في الأزمات اليومية. بالمقابل.. ثمة سؤال آخر: من المسؤول عن إفقار السوريين؟! من الظلم ألا نجيب على هذا السؤال.. وينبغي أن تكون محاولة الإجابة عن السؤال في حدود المنطق البارد ومن دون انفعالات عاطفية أو تصفية مواقف! ببساطة متناهية عندما تحرم من النفط ومن القمح، وعندما تزيد فاتورة تحويل الأموال للخارج نحو 30-40 بالمئة بسبب العقوبات، وعندما تفقد مصادر القطع الأجنبي، فلا شك أن الحرب السورية هي السبب الأساس والرئيس والأعظم في مأساة السوريين. مهما تحدثنا عن أخطاء اقتصادية بل أجزم عن جهل اقتصادي ومالي فإن المسؤول الأكبر عن إفقار السوريين الحرب. طيب.. ألا يوجد حل؟ هل نكتفي بهذا الكلام ونبقى بانتظار قرارات منتصف الليل. هناك حلول اقتصادية متاحة لها علاقة بالاقتراض وبالاستثمار حتى تتم استعادة الموارد الطبيعية.. إضافة إلى بيع أو استثمار منشآت وأملاك عامة غير مستثمرة، هذه إجراءات إسعافية وليست حلولاً نهائية. الحل المستدام بزيادة الإنتاج من كل القطاعات، لكن الكل يعرف أن لسنا بيئة قادرة على ذلك الآن ومؤقتاً. لا توجد بلاد خرجت من حرب وتعافت وحدها من دون مساعدة، سواء بالقروض أم بخلق فرص استثمار مسهلة، أو تحويل الأصول العامة إلى شركات مساهمة. أما على مستوى حياة الناس اليومية فلتتوقف الحكومة على الأقل عن عقلية الجباية.. وتصدق أن قلة ميسورة فقط من مواطنيها والبقية بين فقير وشبه فقير. أقوال: – من عجز عن البناء فلا يشتغل بالهدم.. اتركوا البنائين يعملون. – لدينا عجز في الدهشة الآن. – الكرماء ينقصهم المال والأغنياء ينقصهم الكرم.
(سيرياهوم نيوز ٦-الوطن 10-08-2022)