علي عبود
يعقد لبنان آمالا كبيرة ـ مثل دول كثيرة تعاني من أزمات مالية واقتصادية ـ على صندوق النقد الدولي لمنحه قرض ببضعة مليارات مقابل تنفيذ شروط تزيد معاناة الشعب.
وعلى الرغم من محاولات عدة حكومات لبنانية للحصول على 3 مليارات دولار فقط من صندوق النقد، فإنها أخفقت بتنفيذ شروط المجتمع الغربي الذي يهيمن على منح القروض الخارجية.
ومع إن الكثير من المحللين الإقتصاديين والأكاديميين وأرباب الصناعة الوطنية يؤكدون بأن لبنان قادر على تأمين مليارات الدولارات عبر استثمار إمكاناته الذاتية، فإن كل الحكومات اللبنانية منذعام 2019 مصرة على تنفيذ شروط قاسية للحصول على قرض لايتجاوز الـ 3 مليارت دولار من صندوق النقد الدولي.
السؤال: هل يعجز لبنان عن تأمين هذه المليارات بمنأى عن شروط الصندوق؟
في الوقت الذي يضغط فيه بعض السياسيين لتنفيذ شروط المجتمع الغربي، وتحديدا الأمريكي، كمقدمة لمنح لبنان 3 مليارات دولار لاتكفيه لأكثر من بضعة أشهر، كشف البنك الدولي “شقيق” صندوق النقد أن حجم تحويلات المغتربين بلغت 6 مليارات دولار في عام 2023 وهي قابلة للزيادة، أيّ ضعفي القرض المأمول من الصندوق، ومن دون شروط!
قد يقول المؤيدون للخضوع للوصاية الدولية إن الحكومة لاتستفيد من حوالات المغتربين لأنها موجهة إلى ذويهم، وبالتالي يتم إنفاقها على أغراض استهلاكية، وهذا الإستنتاج ـ حسب الوقائع ـ غير صحيح!
وفي هذا السياق كشف عدد من الإقتصاديين المتابعين لمسار استخدامات الحوالات ماقبل عام 2019 انه تم إيداع جزء منها في المصارف اللبنانية، وجزء تم استثماره في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بالاضافة إلى تخصيص جزء من الحوالات لدعم الأسر اللبنانية.
وإذا كان مسار القسم الأكبر من الحوالات في السنوات الماضية تحوّل إلى دعم الأسر والإستهلاك اليومي فالسبب يعود إلى إخفاق الحكومات بمعالجة الأزمة المالية التي تجسدت بتهريب الودائع المصرفية إلى الخارج، وبانفجار أزمة إقتصادية تجسدت بانهيار سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم والبطالة.
وبدلاً من أن تعالج الحكومات اللبنانية المتعاقبة أسباب الأزمات المالية والإقتصادية، فقد لجأت إلى الحل الأسهل وهو الإقتراض الخارجي المستمر أساسا منذ تسعينات القرن الماضي إلى حد عجز فيه لبنان عن سداد فوائد ـ وليس أقساط ـ دينه العام الذي يقترب من الـ 100 مليار دولار!
أمام هذا الواقع يسأل المحللون: ماذا سيفعل قرض جديد للبنان ولو بلغ 10 مليارات دولار؟
بالمقابل فإن السبب الفعلي لصمود لبنان من الإنهيار الكبير والسقوط إلى قعر الهاوية هو حوالات المغتربين، ويؤكد الخبير في الاقتصاد والأسواق المالية الدكتور عماد عكوش إنّ 1,5 مليون عائلة لبنانية “أي بما لايقل عن 4 ملايين فرد” تستفيد من الحوالات المالية بمتوسط يصل إلى 15 ألف دولار سنويا لكل عائلة، ولولا المغتربين ـ وليس القروض الخارجية ـ لارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات أعلى بكثير مما هي عليه حاليا، ولولا الحوالات لما تمكنت الأسر اللبنانية من الحفاظ على الحد الأدنى والمتوسط من مستويات معيشتها.
وحسب تقرير صادر عن الشركة الدولية للمعلومات والإحصاءات في لبنان فأن تكلفة المعيشة لأسرة مكونة من 4 أفراد -والتي تشمل الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية فقط – قد وصلت إلى 582 دولارا في المناطق الريفية، و794 دولارا في المدن.
الخلاصة: لايُمكن التعويل على القروض الخارجية لحل الأزمات في الدول النامية والفقيرة، بل باستثمار إمكاناتها المتاحة ومنها المغتربون في الخارج فهم يملكون المال والخبرات وعشق الأوطان، وبالتالي فالسؤال المشروع هو: أيهما أهم للوطن.. المغتربون أم قروض صندوق النقد الدولي؟
(موقع اخبار سوريا الوطن-1)