نبيه البرجي
اللبنانيون والسوريون (والفلسطينيون) في المحرقة. السؤال بات هكذا: كيف تريد المؤسسة اليهودية للبنان أن يكون؟ وكيف تريد لسوريا أن تكون؟ تقطيعاً بالقنبلة العنقودية أم بالشوكة والسكين؟
ألا تدري الطوائف اللبنانية، الموغلة في صراع الكراهيات وفي صراع الجاهليات، أنها كلها على المائدة ؟ تضافرها يحميها من الأدمغة المجنونة، ومن الأيام المجنونة. حتى أهل السنّة، وهم أهل الأمة، بحاجة، في وجودهم، للطوائف الأخرى. الامام محمد مهدي شمس الدين قال لنا “اذا زال المسيحيون من لبنان زال الشيعة في الحال”. هكذا سائر الطوائف الأخرى.
كل المنطقة، بما في ذلك العراق، وجدت طريقها الى التعامل مع العالم. السوريون ينامون على الجمر، ويستفيقون على الجمر. الوضع كله معلق على ما تؤول اليه الصراعات الدولية والاقليمية. اللبنانيون أيضاً. لكن أزمتنا تبقى، في الظاهر على الأقل، أقل هولاً من الأزمة السورية، وحيث الوجود الأميركي، والوجود التركي، والوجود الاسرائيلي. استنزاف مروع لعظام السوريين الممنوعين، تحت أنظار العالم، والعرب، من وضع حجر فوق حجر .
الطوائف التي تمزق لبنان وحدها تستطيع توحيد لبنان. مشكلتنا في بعض قادة الأحزاب، بالمواصفات الدونكيشوتية، اصغاؤهم الى ما يقوله بعض “الديكة” الأميركيين من أصل لبناني. هؤلاء ليسوا أكثر من قهرمانات ان لصقور الكابيتول، أو للوبي اليهودي. يؤكدون أن الصيغة اللبنانية، وحتى الخريطة اللبنانية، انتهت. وهناك مخطط جاهز لتقطيع الجغرافيا اللبنانية والسورية، واقامة دويلات، أو كانتونات، في البلدين، مع تداخل بعض الدويلات، أو بعض الكانتونات، ان على أساس طائفي، أو على أساس جغرافي.
هذا هو رهان المؤسسة اليهودية التي ترى أن قيام “دولة يهوه” لا يمكن أم يتحقق الا بازالة أي أثر لأي فلسطيني من أرض الميعاد. مكانهم في لبنان وسوريا. لا عودة الى مشروع ييغال آلون حول الأردن كوطن بديل. المملكة الهاشمية حالة تكتيكية ابتدعها الرأس الانكليزي لأغراض محددة ما لبث الأميركيون أن تبنونها ميكانيكياً.
واقعاً، ماذا تبقى من الدولة في لبنان ؟ منظومة سياسية مصابة بالشلل الرعاشي وهي في الطريق الى الاندثار. ولولا الاختلال في موازين القوى لانفجر الوضع الأمني بعد الانفجار الاقتصادي والانفجار السياسي (شظايا متناثرة). ثمة قيادات حزبية تنتظر الضوء الأخضر من الخارج (ولكن أي خارج؟) لفتح الأبواب أمام الفوضى الدموية كمدخل لسقوط الصيغة وحتى لسقوط الدولة.
ننقل ما قاله خبير في صندوق النقد الدولي لزميل (لبناني) سابق له “لبنان ليس بحاجة الى التعويم المالي فحسب. انه بحاجة الى التعويم السياسي أيضاً. هذا لا يمكن أن يحصل بالامكانات الذاتية، ولا بالرهانات البدائية: خصخصة الدولة وتلزيمها الى دولة، أو الى مجموعة من الدول، لمدة مائة عام بعدما أثبتت تجربة المائة عام السابقة فشلها على كل المستويات”.
في هذه الحال، لبنان هونغ كونغ، لا لبنان هانوي، ولبنان الكازينو لا لبنان الخندق. ألم يقل الروائي الأميركي دوغلاس كنيدي لدى زيارته لبنان “هنا لا تعلم ما اذا كنت في الجنة أم في جهنم”؟
بعد نحو عامين قال كنيدي لاحدى القنوات الأميركية “لقد سمعت من مثقفين لبنانيين ينتمون الى طوائف مختلفة، والى سياسات مختلفة، ان الشيطان نفسه لا يستطيع أن يحكم هذا البلد”. ولكن ألم يثبت بعض الساسة أنهم أكثر براعة من الشيطان في الوصول بلبنان الى ما وصل اليه؟
لا رئيس جمهورية، ولا حكومة. أيضاً لا حاكم للمصرف المركزي، وبعد أشهر لا قائد للجيش. المؤسسات العسكرية، والأمنية، هي المتبقية على قيد الحياة في هيكلية الدولة. لكنها تعيش يوماً بيوم، في حين تستشري الفوضى الداخلية (جرائم وسرقات على أنواعها) بالرغم من الجهود الهائلة، والرائعة، التي تبذلها تلك المؤسسات.
ما ينقل عن “صعاليك الكابيتول” هراء، دون أن ننفي وجود أكثر من سيناريو اسرائيلي، بما في ذلك الحرب، لتغيير خريطة لبنان.
ليس من قبيل الصدفة (ولعلها جدلية التاريخ) أن تتزامن، وتتداخل الأزمة البنانية مع الأزمة السورية. خريطتان قيد البحث…
(سيرياهوم نيوز ١-الديار)