زينب حمود
مهما عكست المسلسلات الدرامية في البلدان الإسلامية واقع المجتمع بتمثّلاته وتعقيداته وتبدّلاته، إلا أنّها لم تُحط بصورة المرأة من جميع جوانبها ولم تغطِ قضاياها المختلفة، وخصوصاً بعد التبدّل الملحوظ في واقع النساء ومشاركتهن في مختلف مناحي الحياة على مدار العقدين الأخيرين.
هذا ما توصّلت إليه دراسة علمية (إعداد كاتبة هذه السطور ـــ إشراف الدكتورة وفاء أبو شقرا للحصول على درجة الماجستير في علوم الإعلام والاتصال في الجامعة اللبنانية) حملت عنوان «محدّدات «صنع» صورة المرأة في دراما الدول الإسلامية (عيّنة من مسلسلاتٍ مصرية وتركية وسعودية وإيرانية نموذجاً)»، استخلصت الباحثة أنه ليست هناك صورة واحدة للمرأة في دراما البلدان الإسلامية، باختلاف النظام السياسي وارتباطه بالشريعة الإسلامية، وخصوصية كلّ مجتمع، وما يحمله من عادات وتقاليد وقيم والتزام ديني، والفروقات بين المدينة والقرية، وبين الطبقات الاجتماعية المختلفة.
عموماً، أُعطيت للمرأة مساحة كبيرة للظهور في المسلسلات، من حيث أدوار البطولة والأدوار الرئيسية، والوقت المخصّص لمعالجة قضاياها، هو مؤشر إيجابي لإشراكها في المجتمع. أما من حيث المضمون، فتحمّلت المرأة في البلدان الإسلامية تبعات النظر إلى الزواج كحاجة ملحّة في حياتها انطلاقاً من حاجتها إلى رجل «يسندها»، مع التركيز على دورها الأساسي في الإنجاب والأعمال المنزلية والرعائية على حساب رغباتها وطموحاتها، عدا عن التضحية في سبيل إنجاح مؤسسة الزواج، وإن تَطَلَّب الأمر السكوت عن العنف الذي يُمارس ضدها.
اندرج مسلسل «يلا نسوق» في إطار سياسة التحديث والانفتاح التي تنتهجها السعودية
اندرج مسلسل «يلا نسوق» في إطار سياسة التحديث والانفتاح التي تنتهجها السعودية
ويشير تحليل صورة المرأة في المسلسلات (عيّنة من ثلاثة مسلسلات اجتماعية من كلّ بلد من البلدان الأربعة في المدة الزمنية بين عامَي 2000 و2020، على أن تفصل حوالى عشر سنوات بين تاريخ عرض مسلسل وآخر)، انطلاقاً من الأدوار التي أُعطيت لها واستناداً إلى المنهجين الوصفي والمقارن إلى تبدُّل واقع المرأة المصرية والسعودية مع التطور الزمني.
بعد تسخيف دورها وإظهار سمات شخصيتها السلبية، ولا سيما الخضوع للسلطة الأبوية، خاصة في المسلسل المصري «عائلة الحاج متولي» (2001)، ظهرت شخصيات نسوية واعية لحقوقها، تدافع عن قضاياها، وتنجح في الانتصار لمطالبها، ولا سيما في المسلسل السعودي «يلا نسوق» (2019).
يندرج ذلك في إطار سياسة التحديث والانفتاح التي تنتهجها مصر والسعودية أخيراً، ورغبتهما في تغيير الصورة الذهنية حول المجتمع، بمن فيه المرأة، من دون أن تنجحا في إظهار صورة المرأة الحقيقية والإحاطة بجميع قضاياها. مثلاً، لم تظهر نساء محجبات في الدراما التركية والمصرية، وإن ظهرن، ففي مشاهد عابرة لا ترتقي إلى حجم الشريحة التي ترتدي الحجاب في البلدين.
على المقلب الآخر، غَيّبت المسلسلات الإيرانية النساء اللواتي لا يضعن الحجاب رغم ارتفاع عددهن في الشارع الإيراني، ولم تتطرق المسلسلات السعودية إلى قضايا لا تزال المرأة في السعودية تناضل من أجلها. على المقلب الآخر، تغيرت أوضاع النساء في إيران وتركيا على مدار السنوات العشرين الماضية، من دون أن ينسحب هذا التغيّر على صورة المرأة في مسلسلات البلدين.
ظلّت المرأة الإيرانية محافظةً على عاداتها، ملتزمةً دينياً، تتمتّع بهامش واسع من الحقوق والحريات، ومتأثرة بالقيم التي تروّج لها إيران، وخصوصاً على صعيد تمجيد العائلة، ودورها الرعائي والمنزلي، عدا عن حساسية اختلاطها بالرجال في الأماكن العامة، بما ينسجم مع النموذج الإيراني الإسلامي المحافظ. وينطبق تظهير المرأة الإيرانية في الدراما على نظيرتها في الريف التركي لجهة عدم تبدّل صورتها في المسلسلات. لكن المرأة التركية الريفية بدت مسلوبة الحقوق والحريات إلى حدّ بعيد، خلافاً للمرأة التركية في المدينة المتحررة من أي قيود تفرضها السلطة البطركية أو العادات والتقاليد والالتزامات الدينية.
الواقع تغيّر… وصورته أيضاً
تغيّر واقع المرأة المصرية في المسلسلات على صعيد مشاركتها في الحياة الاقتصادية مع مرور الزمن، من استبعادها عن سوق العمل والاستخفاف بدورها الاقتصادي، إلى توليها مناصب عالية، لكن، بعيداً من مراكز السلطة والقرار.
كذلك الأمر بالنسبة إلى المرأة السعودية التي كان يحصر عملها داخل المنزل قبل عشرين سنة، وصارت ترفض تخييرها بين واجباتها كزوجة وأمّ وحقّها في العمل. هكذا، باتت تشارك في مختلف الأعمال وتتولى مهمات قيادية، متفوقةً بذلك على الرجل. أما المرأة التركية، فغالباً ما تُمنع من العمل والتملّك وتُحصر أدوارها في الرعاية والأعمال المنزلية.
تختلف الأمور بالنسبة إلى المرأة الإيرانية التي دائماً ما تمتّعت بحضور وازن في سوق العمل، وتبوأت مناصب قيادية، ونجحت في المواءمة بين الدورين الاقتصادي والرعائي.
على صعيد العنف ضدّ المرأة القائم على النوع الاجتماعي، تعرّضت المرأة المصرية لمختلف أشكال العنف (ضرب، تحرش، اغتصاب، وإتجار بها…) وسط معالجة سيئة تحمّلها وزر الاعتداء الجنسي وتبرر جريمة الشرف، ثم تراجع تصوير العنف مع الوقت لتبقى الدعوة إلى التغاضي عنه في سبيل الحفاظ على العائلة.
وفي السعودية، بعدما تعرضت المرأة للعنف بكثافة وسط معالجة سلبية، غاب العنف ضدّ المرأة عن المسلسلات. أما في تركيا، فلا يعفي العنف غالبية النساء، والرجل يمارسه باختلاف درجة القرابة، وسط دعوات للتآلف مع العنف الأسري على أنّه أمر طبيعي. هكذا عالجت المسلسلات الإيرانية قضايا العنف ضد المرأة التي وردت بصورة ضيّقة في البداية، قبل أن تتحوّل إلى دعم الضحية وتشجيعها على التبليغ.
لجهة استقلاليتها، سابقاً، كانت المرأة المصرية في المسلسلات خاضعةً لسلطة الرجل، ولا سيما الزوج، تهدد بالطلاق باستمرار، ثم تناضل من أجل تحررها عن السلطة الأبوية وتنجح في ذلك. الأمر نفسه ينطبق على السعودية، فتحولت المرأة من ضعيفة وخاضعة للرجل لدى اتخاذ قرار التعلم، العمل، الزواج… إلى نموذج المستقلة التي ترفض لزوجها زواجاً ثانياً وتطلب الطلاق.
في تركيا، لا تخرج المرأة من دون إذن الرجل ولا تقرر كلّ ما يخصّها من دون العودة إليه، ولا يتغيّر واقعها مع مرور الزمن. أما في إيران، فالمرأة في المسلسلات منذ عشرين سنة، تتخذ قراراتها بملء إرادتها، وتتمتع بحرية التعلم، والعمل، والقيادة، والتنقل، واختيار الشريك، لكن تمجيد الزواج يفرض عليها أحياناً الخضوع للرجل.
في الخلاصة، تؤثر صورة المرأة كما تظهرها المسلسلات على صورة المرأة في أذهان الجماهير، وتحدثّت النظريات الإعلامية عن التأثير في سلوك الجماهير وتوقعاتهم حول الأدوار الاجتماعية للمرأة.
علماً أنّ صورة المرأة في الدراما هي نتاج الاعتبارات التجارية وما يريده الفريق القائم على الإنتاج ويعكس قناعاته المختلفة ووجهات نظره. والدراما المرضي عنها هي التي تخرج إلى النور، بعد أن تخضع للرقابة ويجري التـأكد من عدم اقترابها من المحظورات السياسية، وعدم تجاوزها الضوابط الأخلاقية والاجتماعية وأحياناً الدينية.
أخبار سوريا الوطن١_الاخبار