في سبتمبر أيلول الماضي يكون قد مرٌ عامان، على اتفاق التطبيع بين الإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل، وبالرغم أن الطرفين فشلا في الحصول على تأييد شعبي حقيقي، إلا أن تلك الاتفاقات في الواقع أدت إلى تشكيل منصات أمنية واستخبارية جديدة لصالح الكيان اللقيط في الشرق الأوسط. كما أن الاتفاقات مهدت الأجواء لاتصالات علنية بين الدول العربية الأخرى وإسرائيل ، ولعل القرار السعودي بفتح المجال الجوي للمملكة أمام حركة الطيران الإسرائيلية هو أحد الأشكال للشرق الأوسط الجديد الذي تحلم به اسرائيل منذ وقت طويل بعد هزيمتها المذلة في لبنان.
وُصِفت الاتفاقات بأنها اختراق تأريخي فيما كان يعرف بالصراع العربي الاسرائيلي من شأنه أن يقوض الأمن في غرب آسيا . لكن إذا كان هناك من شيء ، فقد كانت هذه الاتفاقات كارثة كاملة ، وربما أكبر كذبة في تأريخ الشرق الأوسط ، تماماً مثل كذبة وجود دولة اسمها “اسرائيل” .
لقد توهم الكيان الصهيوني في ظل الإدارة السابقة للرئيس الأمريكي دونالد ترامبأنه سيعثر بسهولة على أصدقاء عرب جدد بموجب ما يسمى باتفاقات أبراهام أو ابراهيم ، .كان النظام الذي اغتصب فلسطين بتواطؤ دولي وأزالها {الى حين}بالدم والنار والمجازر الوحشية من الخارطة ، واقعاً أيضاً تحت أوهام ايجاد تحالف جديد مناهض لإيران باسم ناتو عربي يشبه حلف شمال الأطلسي.تواطأت مع هذه الفكرة بعض مؤسسات التفكير في المنطقة وقامت بالترويج لفكرة أن العرب والمسلمين سوف يرضون بالتحالف مع إسرائيل التي ارتكبت جرائم حرب وتطهير عرقية ، وقتلت عشرات الآلاف من الأطفال في فلسطين . كانت فكرة لا يمكن تصورها حتى في ذلك الوقت أنه بدلاً من الاتحاد ضد إسرائيل، فالدول العربية تتحد مع إسرائيل .
كان الغرض الآخر من تلك الاتفاقات الفاشلة هو عزل فلسطين وقتلها تماماً والقضاء على أي أمل للفلسطينيين بالعودة الى ديارهمووطنهم. ووفقًا لصفقة القرن، كان المسؤولون الأمريكيون يقنعون أنفسهم ، إذا تمكنت المزيد من الدول العربية من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فسيتم انهاء المسألة الفلسطينية، ووضع خاتمة للصراع بين اسرائيل، و بين العرب والمسلمين حول فلسطين. قال مسؤولون أمريكيون حينها إن إسرائيل ستكون مقبولة بين العالم العربي والإسلامي.
في ذلك الوقت ، أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي مجرم الحرب بنيامين نتنياهو بالاتفاقات ووصفها بأنها انفراج لأنها فصلت التطبيع مع الدول العربية عن أي “سلام” مفترض مع الفلسطينيين. لكن بعد أكثر من عامين ، لم تكسب الدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل سوى العار و تشجيع إسرائيل على انتهاك المزيد من الحقوق الفلسطينية.
قتلت قوات الاحتلال الصهيوني أكثر من 250 فلسطينياً هذا العام وحده ، و جرحت عشرات الالاف . بلغ عدد القتلى الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة في عام 2022 بالفعل أعلى إجمالي له منذ سبع سنوات ، بينما زادت العمليات الانتقامية الفلسطينية المسلحة بشكل حاد . ووقعت زيادة في الغارات على البلدات والقرى الفلسطينية المحتلة والمزيد من توغل المستوطنين في الحرم الأقصى – ثالث أقدس الأماكن الإسلامية.
بصرف النظر عما يسمى بـ “اتفاقيات إبراهيم” التي تجاوزت القضية الفلسطينية ، فقد أثارت تساؤلات جدية حول النقطة التي تتجه نحوها .
يقال في هذا السياق إن صفقات التطبيع مرتبطة ببعض الشروط . على سبيل المثال ، المزيد من الدعم في شكل أمن أو مبيعات أسلحة متقدمة من الولايات المتحدة أو حتى إسرائيلللدول التي قامت بتطبيع العلاقات.
على سبيل المثال ، أخطرت إدارة ترامب حينها الكونغرس رسميًا بأنها تنوي بيع 50 طائرة مقاتلة شبحية من طراز F-35 إلى الإمارات العربية المتحدة كجزء من صفقات التطبيع .ثم ظهرت تقارير تفيد بأن الإمارات أبلغت الولايات المتحدة بأنها ستعلق المناقشات للحصول على الطائرات ، والتي كانت جزءًا من حزمة بقيمة 23 مليار دولار تشمل أيضًا طائرات بدون طيار وذخائر متطورة أخرى. لقد تباطأ بالفعل بيع 50 طائرة حربية من طراز F-35 من إنتاج شركة لوكهيد مارتن للإمارات العربية المتحدة ؛ أفادت التقارير بشأن المخاوف في واشنطن بشأن علاقة أبو ظبي بالصين ، بما في ذلك استخدام تقنية Huawei 5G في البلاد. بعد ذلك بعامين ، لا تزال 50 طائرة حربية من طراز F-35 راسخة في الولايات المتحدة.
حاولت الاتفاقات الموقعة في البيت الأبيض قبل نحو عامين بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب فتح الباب لتحسين العلاقات مع جيران إسرائيل.
وبدلاً من ذلك ، أغلق الباب بحزم في وجه إسرائيل وقد واجهت غضبًا شعبياً متزايدًا ضدها في المنطقة وخارجها.إسرائيل خسرت.
من ناحية أخرى ، خلال العامين الماضيين ، ازداد الدعم الشعبي لفلسطين أكثر مما كان عليه قبل ما يسمى باتفاقات إبراهيم.
لم يكن هذا واضحًا في أي مكان أكثر من مونديال كأس العالم في قطر خلال الأسابيع الماضية .كانت اللقطات المصورة كافية لترسم خارطة فشل للتطبيع ملوحة بالأعلام الفلسطينية داخل الملاعب وخارجها ، والفرق الوطنية التي تحمل العلم الفلسطيني ، والهتافات في الملاعب دعما لفلسطين.
هذا بينما شعر المستوطنون والصحفيون الإسرائيليون الذين سافروا إلى قطر بالتهديد وهم يواجهون بأنفسهم كراهية شعوب المنطقة للنظام الصهيوني وفظائعه ضد النساء والأطفال ، لدرجة أن المسؤولين الإسرائيليين حذروا المستوطنين من الظهور في الأماكن العامة ودعوهم الى الابتعاد عن الأنظار ، قائلين إن الوضع “غير آمن” في قطر .
في فلسطين المحتلة، اعترفت مراكز الأبحاث الأمنية بالهزيمة وكتبت قائلة إنه لا يوجد اختلاف مقارنة بما كان عليه قبل اتفاقات إبراهيم ، حتى الآن ، لم تتغير الأمور. كل ما تبقى هو الأمل ..
على الرغم من الحملة الدعائية، كان هناك القليل من السياحة بين إسرائيل والدول التي قامت بتطبيع العلاقات معها ، ذلك لأن العرب يشعرون أنه لا أمن لهم في الأراضي التي تحتلها إسرائيل ويشعر المستوطنون الإسرائيليون أنه لا أمن لهم في العالم العربي .
هذا بينما تظهر الاستطلاعات أن شعوب الدول التي تطبيع مع إسرائيل كانت ، ولا تزال ، تعارض بشدة القرار الذي اتخذه حكامها. هناك بعض الدول في غرب آسيا حيث الحكام منفتحون على العلاقات مع إسرائيل لكن شعوبهم تعارض مثل هذه التحركات.
هناك أيضًا بعض الدول في غرب آسيا حيث تعارض الحكومات وشعوبها بشدة أي شكل من أشكال التطبيع.
وهناك بعض الدول في غرب آسيا لا تعارض شعوبها بشدة أي شكل من أشكال التطبيع فحسب ، بل تدعو بشكل علني ورسمي إلى دعم الشعب الفلسطيني المظلوم بالأسلحة .
لكن ليس هناك شك في أن جميع شعوب منطقة غرب آسيا تعارض أي نوع من العلاقات الدافئة مع إسرائيل.
وعلى عكس فكرة “الناتو العربي” الذي أرادوه ضد جمهورية إيران الإسلامية ، بعد ذلك بعامين ، أصبحت طهران هي الدولة التي تعمل على تدفئة العلاقات مع دول المنطقة .
خلال عدة جولات من المحادثات في بغداد ، ناقش وفدان من إيران والمملكة العربية السعودية سبل إعادة العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات .ومن المتوقع أن يستأنف البلدان المحادثات بوساطة عراقية.
كما عقد في العاصمة الايرانية منتدى حوار طهران الثالث لتعزيز التعاون الإقليمي ، لا سيما في المنطقة العربية .
وشارك في المنتدى ممثلون من 36 دولة من دول المنطقة وخارجها .
اتخذت إيران زمام المبادرة ومدت يدها إلى دول المنطقة بما يتماشى مع سياسات حكومة الرئيس سيد إبراهيم رئيسي لتوسيع العلاقات في المنطقة بشكل خاص .
يبدو أن هناك بالفعل رغبة من دول المنطقة تستعد للتقارب مع إيران وهي تتطلع إلى الشرق ، لكنها غير قادرة على أن تتخلى عن الولايات المتحدة رغم أن واشنطن لا تستطيع أن توفر لهم الأمن الذي كانوا يرغبون فيه من قبل.
وهذا أمر ستهتم به إسرائيل بالتأكيد من خلال التهويل بخطر ايراني مزعوم.
في نهاية المطاف، بدا إرث ما يسمى باتفاقات أبراهام أو ابراهيم بالتأكيد وكأنه تمرين علاقات عامة في البيت الأبيض. لكن هذا كان كل ما كان عليه، ومصيره مزبلة التأريخ . أجرى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب العديد من تمارين العلاقات العامة التي بدت براقة مثل السفينة تايتانك.