تستعد شركات النفط والغاز الأميركية مثل “بيكر هيوز” و”هانت إنرجي” و”أرجنت” لإحياء قطاع النفط والغاز وتوليد الكهرباء في سوريا، في خطوة وصفها بعضهم بأنها فرصة استثمارية للاستفادة من “كعكة” إعادة إعمار سوريا بعد رفع العقوبات عنها، والتي تقدر بتريليون دولار وفق تقدير وزير الاقتصاد والصناعة السوري الدكتور نضال الشعار، فيما رأي آخرون أنها فرصة سياسية أكثر منها استثمارية الهدف منها تعزيز الوجود الأميركي في سوريا في ظل غياب الدعم الروسي والإيراني عنها، جراء التوترات الأمنية الأخيرة، وهو ما يفجر تساؤلات عن أسباب التحول الأميركي نحو دعم الطاقة في سوريا، وهل تنجح المساعي الأميركية، وما حجم قطاع الطاقة السوري حالياً، وما هي الدول التي تتنافس على “كعكة” النفط والغاز في سوريا؟
توجهت أنظار الشركات الأميركية والأوروبية والخليجية نحو قطاع الطاقة السوري بعد رفع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية عن سوريا في أعقاب سقوط نظام الأسد في كانون الأول (ديسمبر) 2024، وعليه تمكن البنك المركزي السوري من استعادة السيطرة على نحو 15 مليار دولار من أصول سوريا المالية المجمدة بهدف إعادة الإعمار، كما أتيحت الفرصة أمام المؤسسات المالية السورية للاتصال بالأسواق العالمية.
يقول الخبير في الاقتصاد السوري عبدالرزاق حبزة لـ”النهار” إن “المصالح الأميركية التقت مع المصالح السورية في الوقت الحالي، واعتقد أن الحكومة السورية يهمها التعاون مع أميركا؛ لأنه إذا قالت أميركا أرفعوا العقوبات فترفع كل الدول العقوبات، ولأن سوق التجارة العالمية مرتبطة بأميركا، سواء اقتصادياً أم سياسياً أم حتى في مجال الطاقة مثل علاقتها بالسعودية ودول الخليج ونظام البترودولار، وتعتبر العلاقة السورية مكملاً أساسياً للعلاقة الأميركية بالسعودية والخليج بشكل عام، ومن دون سوريا تكون هناك حلقة مفقودة بالنسبة إلى المصالح الأميركية في المنطقة”.
4 أسباب لاهتمام الشركات الأميركية
وفي ما يتعلق بأسباب اهتمام الشركات الأميركية بسوريا الآن، يقول حبزة إن “حالة الغزل المتبادل بين سوريا وأميركا، خصوصاً في مجال الطاقة بعد استبعاد السوقين الروسية والإيرانية” لها العديد من الأسباب، أبرزها تعطش السوق السورية لإحياء قطاع الطاقة الذي تضرر بشدة، وثانياً وجود مخزون استراتيجي من النفط والغاز، ما يجعل السوق السورية سوقاً واعدة وفرصة استثمارية سانحة أمام الشركات الأميركية، ثالثاً الموقع الإقليمي لسوريا يهم أميركا بشكل خاص فهي تتشارك الحدود مع العراق والأردن وإسرائيل وتركيا إلى جانب الخط الساحلي الكبير، ورابعاً علاقة أميركا بـ”قسد” (قوات سوريا الديموقراطية) التي تمنحها القدرة على الاستثمار في آبار منطقة الجزيرة بكل أريحية، كما تمكنها من تنفيذ خط أنابيب النفط الذي تطمح للاستثمار فيه.
دول عربية تغتنم الفرصة
ويقول الخبير في الاقتصاد السوري وكبير المحررين في “فورتشن” العربية حازم عوض لـ”النهار” إن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي ترصد قطاع الطاقة السوري وتبحث عن فرص الاستثمار فيه، فهناك دول أخرى مثل قطر وتركيا والسعودية والإمارات لديها الهدف نفسه وهو اغتنام الفرص الاستثمارية في قطاعي الطاقة والموانئ في سوريا، لكن الهدف الأميركي هو سياسي أكثر منه اقتصادي، على حد قوله.
تجدر الإشارة إلى أن تحالفاً يضم “أوربيكون القابضة” القطرية، و”باور إنترناشيونال” الأميركية، و”جينجيز إنرجي”، و”كاليون” التركيتين، أبرم صفقة بقيمة 7 مليارات دولار في دمشق، شهدها الرئيس السوري أحمد الشرع في 29 أيار (مايو) الماضي، بهدف بناء محطات طاقة متطورة (4 تعمل بالغاز وواحدة بالطاقة الشمسية)، ستوفر مجتمعة أكثر من 50% من حاجات سوريا من الكهرباء، وترفع القدرة الإنتاجية الحالية للبلاد إلى ثلاثة أضعاف.
وتكمن أهمية الصفقة في توفير مليارات الدولارات كانت تنفقها سوريا على الوقود الأحفوري لتشغيل محطات الكهرباء، بينما اليوم سيتم الاعتماد على الغاز والطاقة الشمسية في تشغيل محطات الطاقة الخمس وتوفير 10 آلاف ميغاواط، فيما يقدر حجم الإنتاج الفعلي حالياً بـ1.6 ألف ميغاواط، بانخفاض حاد عن متوسط الإنتاج الطبيعي البالغ 5,170 ميغاواط؛ جراء نقص الوقود، ويترتب على ذلك انقطاع يومي للكهرباء لفترات تراوح بين 2 إلى 4 ساعات.
قطاع الطاقة السوري بعد صراع 14 سنة
تشير البيانات إلى انخفاض إنتاج النفط السوري من 380 ألف برميل يومياً قبل عام 2011 إلى 30 ألف برميل يومياً فقط حالياً، كما انخفض إنتاج الغاز من 30 مليون متر مكعب يومياً قبل 14 عاماً إلى 10 ملايين متر مكعب حالياً، فيما تقدر احتياطيات النفط السوري بـ 2.5 مليار برميل.
وأبرز حقول النفط والغاز في سوريا، هي حقل السويدية في الحسكة، وكان ينتج 116 ألف برميل يومياً عام 2011، أما اليوم فينتج 7 آلاف برميل فقط، وحقل الرميلان في الحسكة كان ينتج 90 ألف برميل يومياً واليوم 9 آلاف فقط، وحقل العمر في دير الزور كان ينتج 80 ألف برميل واليوم 20 ألفاً يومياً فقط، حقل التيم في دير الزور كان ينتج 50 ألف برميل يومياً وحاليا 2,500 برميل فقط، حقل الورد في دير الزور كان ينتج 50 ألف برميل يومياً وحالياً 5 آلاف فقط، حقل التنك في دير الزور كان ينتج 40 ألف برميل يومياً والآن 1,000 برميل فقط، حقل كونيكو في دير الزور كان ينتج 13 مليون متر مكعب من الغاز يومياً عام 2011 وهو الآن متوقف عن الإنتاج، وحقل الشاعر في ريف حمص الشرقي كان ينتج 9 آلاف برميل يومياً والآن ينتج 3 ملايين متر مكعب من الغاز فقط.
5 خطوات لإعادة إعمار قطاع الطاقة السوري
ويشير عوض إلى خطة سوريا الخمسية لإعادة إعمار قطاع النفط، والخطوة الأولى هي إرساء الأمن وتقييم الوضع واستعادة الأصول، بما يشمل تأمين النفط مثل حقول العمر والتيم والتنك والحسكة، ووضع خطط للحقول الأخرى وتأمين الحاجات، وثانياً تأمين استقرار الإمدادات المحلية من خلال إعادة تأهيل مصفاتي حمص وبانياس وتأهيل شبكة الأنابيب الرئيسية وتوسيع نطاق الوصول إلى الغاز الطبيعي، وثالثاً تطوير كيان مُدرج في بورصة نيويورك أو ناسداك وتأسيس شركة سورية وطنية بإسم “سوريا للطاقة” (Syrius Energy)، وتصميم عقود خدمات الأخطار وتقاسم الإنتاج مع الدول الحليفة، ورابعاً بموجب الكيان المُدرج في البورصة الأميركية يتم تدشين صندوق سيادي خاص بالطاقة في سوريا له 30% من الأسهم، وخامساً الاستعداد للتصدير والتكامل الإقليمي.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار