| سارة سلامة
, 18-01-2022
كتاب جديد صدر عن وزارة الثقافة_ الهيئة العامة للكتاب، تحت عنوان «المختار من كتاب النبي.. لجبران خليل جبران»، ناقش فيه مهند سمير بيازيد، وهو دكتور النحو والصرف في جامعة دمشق ضمن سلسلة خاصة بعنوان «ثمرات العقول»، حياة جبران خليل جبران وهو شاعر وكاتب وفيلسوف وعالم روحانيات ورسّام وفنان تشكيلي ونحّات عُثماني من أدباء وشعراء المهجر، وخص في النقاش كتابه «النبي» الذي لا يزال صداه إلى اليوم باقياً يهدينا إلى الكثير من الأخلاق والخير والإنسانية..
حيث يقول: «أليست خشية الظمأ وبئرك ملأى هو العطش الذي لا تروى له غلة، وإنما العظيم من يرد صوت الرياح أغنية يزيدها حبه عذوبة».
هذا هو أسلوب جبران الذي لا يشبه أحداً غيره؛ يلتقط خلجة الروح وأنين النفس، ثم يسبغ عليهما من بديع لفظه وأنيق نسجه ما يجعل منهما لوحة ناطقة.
في النبي يسعى جبران سعيه لتبديد الأحزان التي رانت على الأفئدة، ويحطم القيود التي تكبل الأرواح المكدودة، ويبعث في النفس الإنسانية ألقها وإشراقها، كل أولئك في سربال من اللغة محبر موشى تتقاطر منه الفتنة والسحر!
جبران «1883-1931»
وفي ومضة سريعة يلقي الكتاب الضوء على حياة جبران وكيف ولد بقرية في الشمال اللبناني ومعاناته مع الفقر وتحدي الظروف: «ولد جبران في قرية بشرّي في الشمال من لبنان، ونشأ في أسرة صغيرة رقيقة الحال، أبوه خليل سعد جبران قروي بسيط، خشن الطباع، كان يمضي أوقاته في اللهو ولعب الورق. أما أمه كاملة رحمة، فتلقت عناية مادية وثقافية وعاطفية، وبعد وفاة زوجها الأول الذي أنجبت منه ولدها البكر بطرس، وإبطال زواجها الثاني، تزوجت خليل جبران، وأنجبت منه جبران وشقيقتيه ماريانا وسلطانة.
قضى جبران طفولته في بشري الغنية بجمال طبيعتها الذي اغترف منه مؤونة رافقته طوال العمر تجلت في لوحاته الأولى التي كان يرسمها على الجدران بقطعة فحم، وفي كل ما نثره بقلمه وصوره بريشته، كانت سنواته الأولى مزيجاً من التأمل، وتحمل شظف العيش، لم يذهب إلى المدرسة، لأن والده لم يكن مهتماً بذلك. غير أنه تعلم العربية، وتدرب على الرسم والموسيقا بفضل رعاية أمه وتشجيعها، وقد تركت بصمات عميقة في شخصيته.
هاجر عام 1894 مع أمه وإخوته إلى بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية، واستقروا في الحي الصيني الفقير. تعلم مبادئ الإنكليزية في ثلاث سنوات، ادخر مع عائلته مبلغاً من المال مكنه من العودة إلى لبنان ليدخل مدرسة الحكمة البيروتية بين 1896 و1899، تعلم في أثنائها العربية والفرنسية، ثم عاد إلى أميركا ليجد داء السل متفشياً في عائلته.
كتاب النبي
يركز الدكتور مهند على هذه المرحلة المهمة من حياة جبران وفيها عندما تطرق للكتابة وتراجع ومزق ماكتبه مراراً إلى أن استجدى وكتب كتابه الشهير النبي بعد محاولات عديدة خذلته فيها ظروف عديدة إلا أن بريق أمه أوحى له واهتدى:
«كان تردد جبران بين الإنكليزية والعربية أوضح ما يكون في كتابه النبي، فقد كتبه أولاً بالعربية، ثم تركه جانباً بعد أن رأت أمه المرهفة الحس أنه سابق لأوانه، وبعد سنوات خمس تحرق رغبة في إعادة صوغه، غير أنه لم يكد يفرغ منه حتى انبعث في سمعه صوت أمه التي كان الموت قد اختطفها، فمزقه. لكن نفسه لم تصبر على طيّ كتابه في صدره، فكتبه مرة ثالثة لم يقتنع هو به فمزقه من جديد. وبعد عشر سنوات من كتابته الأولى أخذ يكتبه باللغة الإنكليزية من دون استئناس بالنص العربي. ولم يعد جبران صوغه بالعربية، كما لم يترجم نصه الإنكليزي إلى العربية حتى بعد أن ظهرت للكتاب عشرات الترجمات بلغات مختلفة.
أراد جبران بكتابة النبي أن يقدم لنا نفسه ويقدم لنا مع نفسه صورة صحيحة للإنسان الكامل الذي أسفرت تجاربه عن ضرورة وجوده لإصلاح نفوس البشر. وبهذا المعيار نفسه يقوم جبران عمله. فهو يرى أن كل ما فعله ليس إلا عرضاً لفكره حين غرس في وجدان النبي مثلاً آمن أنه لا بد من ممارستها في الحياة، فالتوقف عند كتابتها لا يعني شيئاً، لكن اقترانها بالتطبيق في الحياة اليومية هو الذي يعطيها بعدها الحقيقي، وتلك رسالة جبران».
المصطفى
فإذا كان جبران قد حاكى في كتابه النبي نيتشه في كتابه «هكذا تكلم زردشت»، فقد حاكاه في الشكل لا في المضمون. فكلما اتخذ نيتشه من زردشت وسيلة لإذاعة آرائه، كذلك اتخذ جبران «المصطفى» في كتابه النبي وسيلة للتعبير عن أفكاره واتجاهاته. وكما أجرى نيتشه على لسان «زردشت» حكماً وأمثالاً كذلك أجرى جبران على لسان «المصطفى» سلسلة من العظات، وكانت الحكم والأمثال التي قالها إجابة عن أسئلة مطروحة من المستمعين، وكان كل من زردشت والمصطفى غريباً عن وطنه.
فكان المختار الحبيب فجراً لزمانه ظل اثنتي عشرة سنة بمدينة أورفاليس يترقب سفينته وكانت إلى عودة؛ لترجع به إلى الجزيرة التي شهدت مولده. وفي السنة الثانية عشرة في السابع من أيلول شهر الحصاد، ارتقى المصطفى التل فيما وراء أسوار المدينة، ورمى ببصره إلى البحر، فلمح سفينته تأتي مع الغمام. وهنا انفرج شغاف قلبه، وطارت فرحته بعيداً حتى رفت على البحر، وأطبق المصطفى عينيه يردد الصلوات في محراب السكون من روحه.
وحين هبط التل لفته غمامة حزن، فراح يحدث نفسه: أنى لي أن أمضي مطمئناً، خالي البال من الأشجان؟ لن أبرح هذه المدينة إلا وفي الروح جروح.
طويلة كانت أيام أساي بين أسوارها، وطويلة كانت ليالي وحدتي فيها؛ ومن ذا يستطيع أن ينفصل عن أساه ووحدته غير آسف؟.
(سيرياهوم نيوز-الوطن)