محمد خواجوئي
طهران | لم يتبقّ سوى أسبوعين على تنصيب الرئيس الإيراني المنتخَب، مسعود بزشكيان، الذي سيبدأ مهامّه رسميّاً بصفته الرئيس التاسع للجمهورية الإسلامية. وفيما يستمرّ في العمل على تشكيل حكومته، فإن أحد أهم الأسئلة يدور راهناً حول السياسة الخارجية التي ستنتهجها إدارته، ولا سيما تجاه القوى الكبرى. وفي أعقاب التجربة غير الناجحة لإدارة حسن روحاني في التعاطي مع الغرب في ما يخصّ الاتفاق النووي، قرّرت إدارة إبراهيم رئيسي التحرّك في اتّجاه تمتين العلاقات مع كل من روسيا والصين والانخراط في معسكر القوى الناشئة المنافِسة، بما فيها «منظمة شنغهاي للتعاون» ومجموعة «بريكس». لكن، يبدو أن إدارة بزشكيان لا تتّفق مع هذا التوجّه، أقلّه من الناحية النظرية، إذ ستسعى إلى إحياء فكرة «التوازن» في العلاقات مع القوى الكبرى.ويُعدّ محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني السابق، أبرز مساعدي بزشكيان إبّان الحملة الانتخابية، وهو يترّأس راهناً لجنة نقل السلطة من إدارة رئيسي إلى الإدارة الجديدة، ويضطلع بدور محوري في مجال تشكيل الحكومة الجديدة، فضلاً عن أنه بات المنظّر الرئيسي للسياسة الخارجية للإدارة القادمة. ويرى ظريف أن على إيران، في عالم «ما بعد القطبية»، أن لا «تقيّد» علاقاتها الخارجية بدولة أو عدّة دول بعينها، بل أن تكون قادرة على إقامة علاقات «متّزنة» مع الجميع. وفي الإطار نفسه، أكّد بزشكيان، في مقالة له في صحيفة «طهران تايمز»، بعنوان «رسالتي إلى العالم الجديد»، والتي اعتُبرت بمثابة «بيان للسياسة الخارجية» التي ستتّبعها حكومته، أن إدارته تعتزم «متابعة سياسة البحث عن الفرص، والعمل على إيجاد التوازن في العلاقات مع جميع الدول، بما يتطابق مع المصالح القومية وتحقيق التنمية الاقتصادية ومتطلّبات السلام والأمن في المنطقة والعالم»، وهو الذي قال في وقت سابق، إنه «لا القوى الشرقية يجب أن تتصوّر أنها خيارنا الوحيد، ولا الغربيون».
وبذلك، يكون بزشكيان أرسل إشارات حول رغبته في تحقيق «انفراجة» مع الغرب، حين أعلن، في مقالته الأخيرة، جهوزيته لإجراء «حوار بنّاء» مع الدول الأوروبية لـ»نجعل علاقتنا تسير على قاعدة المساواة والاحترام المتبادل، في الاتجاه الصحيح». ونظراً إلى أن الأطراف الأوروبية قادرة، حتى خريف عام 2025، على استخدام «آلية الزناد» وإعادة فرض العقوبات الدولية على طهران، فإن الإدارة الجديدة ستتحرّك في اتجاه إحداث اختراق في العلاقات معها. وفيما يُحتمل تصاعد حدّة الخلافات بين إيران والغرب (أميركا وأوروبا)، في حال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن تطبيق سياسة «التوازن» التي ينادي بها بزشكيان، لن يكون سهلاً، ما قد يضطرّ الرئيس المنتخَب لمواصلة النهج الذي اتبعه سلفه، رئيسي، لجهة توسيع العلاقات مع الصين وروسيا. ومن هنا تحديداً، جاء التحوّل في نبرة بزشكيان تجاه البلدين المذكورَين، علماً أنه لم يدلِ، خلال حملته الانتخابية، بتصريحات إيجابية تُذكر إزاءهما.
تنتظر إدارة بزشكيان، للمضيّ قدماً في خطّتها الدبلوماسية المنشودة، نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية
وفي إطار هذا التحوّل، دافع الرجل عن اتفاق الـ25 عاماً بين إيران والصين، باعتباره «خطوة مهمّة» في اتّجاه بناء «شراكة استراتيجية شاملة» ومفيدة لكلا البلدين، مؤكداً «(أنّنا) حريصون، عشيّة الدخول إلى النظام العالمي الجديد، على تعاون أوسع مع بكين». ثمّ كرّر هذه النظرة الإيجابية تجاه روسيا، قائلاً إنها «حليف استراتيجي قيّم وجار لإيران، وإدارتي ملتزمة بأن تبقى متمسّكة بتوسيع وتعزيز التعاون في ما بيننا». كذلك، أكّد بزشكيان أن إدارته ستضع في رأس أولوياتها، التعاون الثنائي والمتعدّد الأطراف مع موسكو، ولا سيما في إطار «بريكس» و»منظمة شنغهاي» و»الاتحاد الاقتصادي الأوراسي».
وفي جزء من مقالته، تحدّث بزشكيان عن الولايات المتحدة بنبرة انتقادية تجاه السياسة الأميركية حول إيران، بما في ذلك الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة العقوبات، واغتيال الفريق قاسم سليماني. وقال: «على صنّاع القرار في أميركا أن يعلموا أن السياسة التي تقوم على جعل بلدان المنطقة في مواجهة أحدها الآخر، لم تنجح في الماضي ولن تنجح في المستقبل. يتعيّن عليهم القبول بحقيقة إيران وتجنّب التصعيد القائم». ويُظهر التأكيد على ضرورة «تفادي التصعيد»، أن الإدارة الجديدة جاهزة للحوار مع الولايات المتحدة في شأن إحياء الاتفاق النووي، وكذلك تحقيق انفراجة في العلاقات. لكن أيّ جزء من مقالة بزشكيان، لم يُشر إلى «التعاون» مع واشنطن، وهو ما يبدو أنه جاء لنيل رضى المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، كون الأخير يعارض بالكامل التعاون بين البلدين، لكنه لا يعارض، من حيث المبدأ، المحادثات مع الأميركيين بهدف خفض التصعيد.
وتأسيساً على ذلك، يُتوقّع أن تُستأنف المحادثات بين البلدين في حال فوز الديموقراطيين في الانتخابات، علماً أنها كانت قائمة بصورة غير مباشرة، في مسقط، ولكنها عُلّقت على إثر وفاة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، في أيار الماضي، ودخول إيران مرحلة الرئاسيات المبكرة. وفي هذا الوقت، تنتظر إدارة بزشكيان، للمضيّ قدماً في خطّتها الدبلوماسية المنشودة، نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، إذ سيكون فوز الديمقراطيين «مثاليّاً بالنسبة إليها، لتتحرّك بعدها في اتّجاه الاتفاق مع الأميركيين بهدف رفع العقوبات. غير أن الوضع سيكون مغايراً في ما لو فاز ترامب، ولا سيما إذا قرّر المضي قُدماً في تكثيف الضغوط على الجمهورية الإسلامية، كما فعل في ولايته الرئاسية الأولى. وزاد اختيار جي دي فانس، نائباً لترامب، – علماً أنه مدافع عن سياسة «الضغوط القصوى»-، من القلق في طهران. ففي تصريح له حول إيران، قال فانس: «إنْ أردتم وضع الجمهورية الإسلامية الإيرانية عند حدّها، يجب بدايةً حرمانها من عوائدها النفطية، وطبعاً فإن جو بايدن تصرّف بشكل سيئ في هذا الخصوص. كما يجب المساعدة لتعمل إسرائيل والدول العربية التي تدين بالمذهب السني معاً في مقابل الجمهورية الإسلامية».
وتعتقد المصادر القريبة من وزارة الخارجية والمجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، أن فريق السياسة الخارجية الخاص بترامب، سيكون من المحافظين الجدد الذين يحملون توجهات معادية لإيران، ما من شأنه أن يؤدّي إلى تراجع احتمالات أيّ اتفاق محتمل. ويرتّب ما تقدّم على طهران أن تتحوّل بقوّة دفع أكبر نحو الصين، علّها تتمكّن من تقويض الضغوط الأميركية، فيما سيكون ترميم العلاقات مع أوروبا أيضاً من بين سياسات إدارة بزشكيان، خصوصاً في حالة فوز ترامب، إذ يعتقد جواد ظريف أنه لا ينبغي أن «ندع أميركا وأوروبا تشكلان جبهة موحّدة ضدّنا»، علماً أن التجارب السابقة تُظهر أن الآمال المعقودة على أوروبا لتضطلع بدور مؤثّر في خفض الضغوط الاقتصادية المفروضة على طهران، لم تؤتِ أكلها.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية