الرئيسية » كلمة حرة » إذا مات ضمير المزارع..!!

إذا مات ضمير المزارع..!!

| خير الله علي

عرّف الفلاسفة الضمير بأنه رفيق لا تستطيع التنصل من مصاحبته في مسيرة الحياة؛ وقالوا عنه: “بوصلة المرء”، “شمعة في قلب كل إنسان … ربما تؤلم حرارتها قليلاً لٰكنها تُنير الطريق”، “شعاع من نور يتلألأ في أعماق النفس الإنسانية”، “جرس إنذار”، “نور الذكاء لتمييز الخير من الشر”.

ووَفقًا لـ” مُعجم المعاني الجامع” فإن كلمة ضمير تعني : استعداداً نفسيّا لإِدراك الخبيث والطيب من الأعمال والأَقوال والأَفكار، ويُطلق على الإنسان الصادق الأمين أنه “حيّ الضمير” أو “ذو ضمير يقظ”؛ ونقيضه الشخص الذي يأتي بأعمال دون وازع سليم من ضميره ويُسمى “فاقد الضمير” أو “معدوم الضمير”.

لعل أول شريحة اجتماعية تناولها الناس، قبل الكتاب والصحفيين، بالنقد في قلة الضمير وانعدامه هي شريحة التجار، باعتبار أن معظم أفراد هذه الشريحة لا يهمهم إلا جمع المال والربح… الربح فقط مهما كانت الوسيلة، حتى يقال أنها لو تمكنت من مص دماء الناس لفعلت ، بدون أي وازع أخلاقي، أو ضمير حي.

ثم بدأ الناس والكتاب والصحفيون يتحدثون عن قلة الضمير لدى شريحة المسؤولين في الإدارة والدولة، بعد أن عاث هؤلاء فسادا في طول البلاد وعرضها، ولم يعد يهمهم في مواقعهم، التي يفترض أنها مواقع تكليف مسؤولين من خلالها عن تدبير وإدارة شؤون المجتمع، سوى اقتناص الفرص وجمع المال وتهريبه إلى الخارج، وتعزيز النفوذ وبناء القصور وشراء السيارات والذمم، وافساد الواقع.

وفي هذه المحنة التي تعيشها البلاد منذ أحد عشر عاماً، ومع نفاذ صبر كل الشرائح الاجتماعية الأخرى، نتيجة ضيق ذات اليد وقلة الحيلة، بدأ الضمير يغيب شيئا فشيئا من داخل النفوس، عند المدرس كما عند الموظف والطبيب والمهندس والمحامي والقاضي والمهني ووو، ولم يعد نقد الناس خاصة الشريحة المعدمة، مقتصرا، بهذا الخصوص، على التاجر والمسؤول بل شمل كل من خاصم ضميره، ونقله إلى خزانة الثياب وقفل عليه، ولم يعد يعنيه إلا خلاصه الفردي، بحق، أو بدون وجه حق.

كلام  كثير قيل ويقال تحديدا في هذه المرحلة القاسية، عن موت الضمير عند غالبية السوريين الذين ينهشون لحم بعضهم كالوحوش، ولكن لم ينتبه أحد إلى موت الضمير عند شريحة لا تقل أهمية من حيث دورها في حياة المجتمع السوري عن دور المدرسين والأطباء والقضاة وربما هي أهم من كل ذلك، وهي شريحة المزارعين الذين ندافع نحن الصحفيين عنهم ونشرح معاناتهم ليل نهار.

فما يمارسه بعض المزارعين وهم كثر جدا، من غش تارة وعن جهل تارة أخرى، في انتاج وتسويق بضائعهم كثير وكثير جدا. وإذا كان الناس قد اعتادوا على خلط الجيد مع الرديء في بضاعة المزارعين لكسب المزيد من المال بدون أي وجه حق، فمن غير المقبول ولا المعقول أن يسوق المزارع بضاعة أو موادا يعرف هو أنها تالفة بالأساس، وغير صالحة للاستهلاك البشري، كأن تكون موادا ينخرها الدود، أو مواداً محقونة بالهرمونات، أو تحتوي على نسبة فوق المسموح بها عالميا من الادوية والرشوشات التي يستخدمونها لحماية مزروعاتهم، ولضمان موسم وفير.

فموت ضمير المزارع والفلاح يعني انهيار الجدار الأخير الذي يستند إليه الناس كنقطة ارتكاز يستمدون منها القوة والأمل، ويعني فيما يعني (خراب البصرة).

طبعا تتحمل الجهات العامة وتحديدا وزارة التجارة الداخلية مسؤولية كبيرة في ضبط هذه المخالفات، ومعرفة صلاحية هذه الثمار للاستهلاك، وتوعية الفلاحين والمزارعين حول طريقة فرز انتاجهم من المزروعات بين ممتاز وجيد ومقبول وتحديد سعر لكل نوع، ومنع تسويق مادة غير صالحة للاستهلاك البشري تحت طائلة المسؤولية، فالامر الطبيعي أنه عندما يموت الضمير يحل مكانه القانون…أما إذا غاب الاثنان فعلى الدنيا السلام.

فمنذ بداية موسم المشمش شاع بين الناس أن انتاج هذا العام ” مضروب” أي أن الدود ينخر ثماره، ورغم ذلك يباع بكميات كبيرة في السوق، والمواطنون يشترون بحذر كبير، لكن الحذر كما يبدو لا يحمي من القدر، حيث اضطررت صباح هذا اليوم إلى رمي ما قيمته عشرة آلاف ليرة سورية في حاوية القمامة مشمشا بيع لي على أنه جيد لكنه على قولة المثل من برا هالله الله ومن جوا يعلم الله.

(سيرياهوم نيوز3-التاسع من تموز2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ثقافة اللامعنى (2)

  مالك صقور بعد الحديث عن الرغيف والمثقف ، صار بإمكاني الحديث عن ثقافة اللامعنى .. فثورة المعلوماتية ، والانتصار المبهر للتقانات الإلكترونية العالية ، ...