نبيه البرجي
الروس الذين طالما توجسوا من أن تكون عيون وكالة الاستخبارات المركزية موجودة في أروقة الكرملين، يصفون الوكالة الآن بالغباء حين تراهن على انقلاب عسكري ضد فلاديمير بوتين، من أولوياته الانسحاب الفوري من أوكرانيا، وحتى من شبه جزيرة القرم.
ما يقوله الروس اذا ما حدث الانقلاب، لا بد أن تكون المفاجأة صادمة لـ»ديناصورات الأطلسي». البديل سيكون تلك الثلة من «الجنرالات المجانين» (وهم موجودون فعلاً) الذين يحثون الرئيس الروسي على توجيه ضربة نووية الى احدى المدن الأوكرانية، على غرار ما فعله هاري ترومان في هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين.
وصف الغباء، في نظرهم، ينسحب على جو بايدن حين يقول ان بوتين خسر الحرب، وهو الذي يفترض أن يعلم أن هذا هو المستحيل. الخسارة تعني تفكك الاتحاد الروسي تماماً مثلما حدث للاتحاد السوفياتي.
وما يتسرب من وزارة الدفاع الروسية ان موسكو حذرت واشنطن، عبر الصينييين، من أن تزويد كييف بمقاتلات «اف ـ 16» التي باستطاعتها حمل قنابل نووية، يستتبع اللجوء الى «أسلحة لم تستخدم من قبل»، ما يثير سخرية الأميركيين الذين يقولون انهم اعتادوا مثل تلك التهديدات الفارغة.
السؤال الذي يطرح الى أين يريد البيت الأبيض ان يمضي في تلك الحرب، فيما يلاحظ أن بعض المواقع الأميركية بدأت تتحدث عن فولوديمير زيلنسكي كشخصية دونكيشوتية، وهو يتهم البلدان الأطلسية حيناً بالتباطوء، وحيناً بالتواطؤ، مع أن الولايات المتحدة قدمت له، حتى الان، ما يربو عن الـ 37 مليار دولار، اضافة الى المعلومات الاستخباراتية التي كان لها تأثيرها المحوري في العديد من المعارك؟
هذا دون احتساب المساعدات الأوروبية وغير الأوروبية، ان بالمال، أو بالاعتدة العسكرية الأكثر تطوراً، والتي كانت من الأسباب الرئيسة للصمود الأوكراني في وجه… الغزو الروسي.
أحد المواقع الروسية نقل عن وزير دفاع فرنسي سابق سؤاله «الى أي مدى ينفخ الأميركيون هذه الضفدعة» التي لا يمكن، في حال من الأحوال، أن تتحول الى ثور. هذه حال زيلينسكي الذي كم يبدو مضحكاً حين يحاول، بالبزة العسكرية، تقليد الجنرال دوغلاس ماك آرثر أو الماريشال برنارد لوو مونتغمري ان في مشيته أو في حركات يديه، كما لو أنه في أحد أدواره الكوميدية على الخشبة.
بالرغم من اعتقاد الأميركيين أن الرئيس الروسي ارتطم بالحائط، وينبغي الضغط عليه ليرفع الرايات البيضاء على قباب الكرملين، فهم لا يستبعدون أن تصل أصابع الرجل الى الأزرار النووية، حتى وان كان الانكليز، بالدم البارد، يدفعون في اتجاه التحدي، والحاق أوكرانيا بحلف الأطلسي خلافاً للرأي الأميركي القائل بالتريث لحين الانتصار.
بطبيعة الحال لا تمكن المقارنة بين ريتشي سوناك وونستون تشرشل الذي سأل فرنكلين روزفلت ضاحكاً، وعقب ارفضاض مؤتمر يالطا، «من منا سيضع قبعته على قبر الرفيق جوزف ستالين؟». هل خطر في بال سوناك أن يضع قبعته على قبر فلاديمير بوتين؟
في البنتاغون جنرالات يستخدمون عقولهم. هؤلاء يعتبرون أن الطريق الى موسكو ليست مفروشة بالورود، لكن الطريق الى جهنم مفروشة، حتماً، بالورود. ليس منطقياً، والأرض تشتعل، أن تدخل أوكرانيا في الحلف الا اذا شوهد بايدن وزيلنسكي في الساحة الحمراء.
ما تسرب من قمة الأطلسي في ليتوانيا أن قادة أوروبيين أبلغوا الرئيس الأميركي بأنهم لا يستطيعون البقاء بثياب الميدان الى ما لا نهاية، وبعدما أتضح أن الدببة القطبية أعادت صياغة استراتيجيتها لحرب المائة عام.
الأميركيون الذين ألغوا صفقة الغواصات النووية بين فرنسا واستراليا، ما أثار غضب ايمانويل ماكرون قبل أن ينضوي تحت العباءة الأميركية، يقولون الآن أنهم هم من أوعزوا الى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بشراء طائرات الـ «رافال» والغواصات، من فرنسا كيلا يزداد الاقتصاد الفرنسي تقهقرًاً، ويثور الشارع.
صرخة أوروببين آخرين قد تعلو في أي لحظة. الروس يقولون… لن نصرخ!
(سيرياهوم نيوز3-الديار)