محمد نور الدين
يُنظر في أنقرة إلى زيارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، اليوم، لبغداد، ومن بعدها أربيل، على أنها «تاريخية» من زاوية العلاقات الثنائية، و»منعطف» في الصراع ضدّ «حزب العمال الكردستاني»، كما في جذب العراق أكثر إلى جانب تركيا عبر «طريق التنمية». ونظراً إلى أهمية الزيارة، وصفها رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، بأنها «ليست من النوع العابر، بل للمرّة الأولى تنتقل العلاقات من مرحلة تأجيل الخلافات إلى مرحلة وضع خطوات عملية لحلّها». وكان شكّل العراق، خلال الأشهر القليلة الماضية، مسرحاً لحراك دبلوماسي تركي مكثّف، تمثّل في زيارات فردية أو ثنائية لثلاثة من أهمّ مسؤولي الدولة، وهم: وزيرا الخارجية حاقان فيدان والدفاع ياشار غولر، ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالين، الذين يشكّلون عمليّاً، برئاسة إردوغان، «فريق العمل» الحاكم في تركيا. ووفق مصادر إعلامية، يُرتقب أن يجري التوقيع، خلال الزيارة، على 30 اتفاقاً ثنائياً في مجالات الأمن والطاقة والزراعة والتنمية، وهو ما يعكس مأسسة التقدُّم في العلاقات الثنائية عبر اتفاقات ضامنة.وبما أن لكلّ طرف أولوياته، فإن الأهم بالنسبة إلى تركيا هو إنهاء تواجد قيادة «الكردستاني» ومقاتليه على الأراضي العراقية، علماً أن بغداد خطت أخيراً خطوة في هذا الاتجاه أثارت ارتياح أنقرة، عندما اعتبرت «العمال» منظّمة «محظورة»، علماً أن العراقيين ينظرون إلى هذا المصطلح على أنه يعني ضمناً أن الحزب «منظمة إرهابية». وما يعني الأتراك في المحصّلة، هو الاتفاق على تأسيس «مركز عمليات مشترك» لمحاربة الحزب الكردي، على أن يضع إردوغان مع السوداني «اللمسات الأخيرة» عليه وموعد بدء عمله. كذلك، تأمل تركيا في أن تستكمل خططها لتوسيع منطقة عملياتها العسكرية وإنشاء حزام أمني بعمق يصل إلى 40 كيلومتراً تنتشر فيه قواعدها العسكرية.
وتولي تركيا أهمية لمنع التواصل بين العراق وسوريا، وبالتالي قطع الإمدادات اللوجستية أمام «حزب العمال» من سوريا إلى العراق، حتى يتسنّى لقواتها حصْر تواجد «الكردستاني» في العراق، من دون أيّ مساعدة من الخارج، ليسهل تالياً «تطهير» المنطقة من هؤلاء العناصر. أما تواجد قيادة الحزب في جبال قنديل على الحدود العراقية مع تركيا وإيران، فهو من الأهداف البعيدة المدى والمرتبطة بقضايا سياسية. فبعد هجمات متعدّدة، في نهاية العام الماضي وبداية العام الجاري، نفّذها «العمال الكردستاني» ضدّ قاعدتَين عسكريتَين تركيتَين في منطقة متينا وسقوط أكثر من 20 جندياً، بدأت تتردّد في الكواليس التركية شائعات عن تصاعد الدعم الإيراني للحزب، وما يعنيه ذلك من توتّرات كامنة بين طهران وأنقرة. وتأمل هذه الأخيرة، من وراء خططها الجديدة، في أن تتعاون حكومة بغداد وإدارة مسعود بارزاني في أربيل، عسكريّاً مع تركيا، وأن تنظّما هجمات مشتركة ضدّ مراكز الحزب، بحيث يتحرّك الجيش العراقي من جهة الجنوب للصدام مع «الكردستاني»، فيما تعمل قوات «البشمركة» على قطع خطوط الاتصال والمواصلات التابعة للحزب من دون الدخول في صدام مباشر معه، التزاماً باتفاق غير مكتوب يمنع اصطدام الكردي مع الكردي.
من غير المعروف ما إذا كان «الحشد» سيشترك مع بغداد وأربيل وأنقرة في العمليات ضد «الكردستاني»
ومع أن قيادة «الحشد الشعبي» العراقي شاركت في اجتماعات عسكرية حضرها وزيرا الخارجية والدفاع التركيّان، في شباط الماضي، فمن غير المعروف ما إذا كان «الحشد» سيشترك مع بغداد وأربيل وأنقرة في هكذا عمليات، علماً أن تلك النقطة مهمّة للغاية، لأن اسم «الحشد الشعبي» ارتبط بالنفوذ الإيراني في بغداد، ومشاركته تعني أن طهران أعطته الضوء الأخضر للمشاركة، وأنها في وارد التعاون مع تركيا لمحاربة الحزب. ولكنّ الأمور ليست بهذه البساطة، خصوصاً في ظلّ اتهام تركي متجدّد لإيران بأنها تواصل دعمها لـ»الكردستاني».
أيضاً، تأمل تركيا في أن تجري العمليات المشتركة ضدّ «الكردستاني» في مناطق سنجار القريبة من الحدود السورية وفي مخمور وجبال قنديل حيث قيادة الحزب. ووفق أبرز بند في زيارة إردوغان، يُتوقّع أن يتم التوقيع على «اتفاق إطار استراتيجي للتعاون» بين البلدَين يتضمّن مسحاً شاملاً لكل قضايا التعاون من «مكافحة الارهاب» إلى المواصلات والطاقة والزراعة. وإذ يريد البلدان رفع حجم التجارة بينهما (20 مليار دولار العام الماضي)، فإن من أهمّ موضوعات التعاون سيكون استئناف تصدير النفط عبر تركيا، بعدما كان توقّف منذ أكثر من سنة نتيجة تصديره بطريقة غير شرعية عبر كردستان العراق، وشكوى بغداد ضد أنقرة في هذا الخصوص. وهنا، تكتسب زيارة إردوغان لأربيل بعداً نفطيّاً مميّزاً، إضافةً إلى التعاون ضدّ «العمال الكردستاني».
ولا شكّ في أن مشروع «طريق التنمية» الذي يمتدّ من ميناء الفاو العراقي جنوباً إلى الحدود العراقية مع تركيا شمالاً، سيكون إحدى أبرز القضايا التي سيجري تناولها. وتعلّق تركيا أهمية على مثل هذه الطريق لتكون عاملاً في تحفيز التنمية في العراق، وبينهما وبين دول الخليج، ولا سيما الإمارات وقطر اللتين يقال إنهما ستموّلان المشروع. ومع أن العراق يدعم بقوّة «طريق التنمية» لفوائده الاقتصادية، لكنه أيضاً لا يريد أن يكون رهينة لخطط تركية – خليجية، كما لا يريد استفزاز إيران بمشاريع قد يراد منها إبعاده عن الجمهورية الإسلامية. ومن أجل تشجيع العراق على الانخراط في كل تلك المشاريع، فإن تركيا مستعدّة للسماح بمرور كميات كبرى من المياه من نهرَي دجلة والفرات بما يساعد في ريّ مساحات إضافية من الأراضي الزراعية العراقية التي عانت في السنوات الأخيرة من الجفاف بفعل تقليص تركيا كميات المياه المتدفّقة نتيجة السدود التي أقامتها على النهرين.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية