- محمد نور الدين
- الثلاثاء 1 كانون الأول 2020
جواب إردوغان لم يرق أرينتش الذي سارع إلى تقديم استقالته من «الهيئة الاستشارية العليا» التي شكّلها الرئيس التركي سابقاً للمسؤولين السابقين والمخضرمين. وشكّلت هذه الخطوة أساساً لتظهير الخلافات التي كانت تظهر، من وقت إلى آخر، بين الرجلَين. لكن الخطوة الأخيرة، وهي استقالة أرينتش من الحزب نهائياً، لم تحدث حتى الآن. كذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس البرلمان السابق والقيادي البارز، جميل تشيتشيك، الذي انتقد موقف تشاقيجي واستمرار احتجاز ديميرطاش.
استدعت حادثة تشاقيجي ودفاع أوساط في حزب «العدالة والتنمية» عنه، حادثة صوصورلق عام 1996، عندما حصل حادث اصطدام بين شاحنة وسيارة كان فيها رئيس قسم الشرطة في إسطنبول، حسين قوجا داغ، الذي قُتل، لكن تبيّن أنه كان برفقة عارضة الأزياء كونجا أوس، وأحد كبار زعماء المافيا عبد الله تشاتلي، اللذين قتلا أيضاً في الحادثة. حادثةٌ أظهرت مدى العلاقة المتلازمة بين الدولة العميقة في تركيا ومنظّمات المافيا. ويأتي الآن دفاع حزب «الحركة القومية» وفئات داخل «العدالة والتنمية» عن تشاقيجي في ظلّ صمت إردوغان، ليعيد تظهير علاقة «العدالة والتنمية» و»الحركة القومية» بالمافيا التركية. وقد أثارت مواقف «العدالة والتنمية» استهجاناً، لكنها كانت مبرّرة باعتبار أن الحزب لم يَعد، في السنوات الأخيرة، قادراً على الحكم بمفرده. لذا كان دخوله في ما سمِّي «تحالف الجمهور» مع «الحركة القومية» حتّى يتمكّن من تجاوز نسبة الـ 50% في الانتخابات الرئاسية والبلدية والنيابية. وهذا ما يدفعه، منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلى الارتماء أكثر في أحضان «الحركة القومية» واعتماد نزعات قوميّة أكثر تشدّداً إزاء المسألة الكردية في الداخل، أو في سياسة الحروب الخارجية التي ترفع شعارات «الميثاق الملّي» و»الوطن الأزرق» و»شعب واحد في تركيا وآذربيجان».
كما في كل مرّة، يلجأ إردوغان إلى حليفته قطر لإنقاذه من أزماته المالية
وربّما تزداد النزعات القومية تشدّداً في ظلّ استطلاعات الرأي التي تشير ــــ وآخرها استطلاع أجرته شركة «آقصوي» ــــ إلى أن حزب «العدالة والتنمية» بالكاد سيحصل على 36%، بينما سيحصل «الحركة القومية» على 9% من أصوات الناخبين، أي أنهما لن يتجاوزا، مجتمعَين، عتبة الـ 45%. وهو مؤشّر، في حال استمراره، سيهدّد، بصورة جديدة، سلطة إردوغان في رئاسة الجمهورية. لذا، تحاول أحزاب المعارضة الضغط لإجراء انتخابات مبكرة. وقد عبّرت ميرال آقشينير، رئيسة «الحزب الجيد» ــــ وهو حزب قومي معارض لإردوغان ــــ، بعد لقائها زعيم حزب «الشعب الجمهوري»، عن رغبة الحزبَين في إجراء انتخابات مبكرة. ومن معظم استطلاعات الرأي، لا يبدو أن إردوغان نجح في تجيير حروبه الخارجية في ليبيا وشرقيّ المتوسط وسوريا والقوقاز، زيادةً في تأييد الناخبين له.
يعود السبب إلى أن المواطن التركي يواجه، منذ أكثر من سنة، مسألتَين: تتمحور الأولى حول فيروس «كورونا» وتداعياته السلبية على مستوى الاقتصاد التركي، والاعتقاد السائد بأن السلطة فشلت في إدارة الأزمة الوبائية، ما نتج منه صعود تركيا إلى المرتبة الأولى أوروبياً، والرابعة عالمياً لجهة تفشّي الوباء ونسبة الإصابات والوفيات؛ وتشير الثانية إلى قصور في إدارة الملف الاقتصادي الذي كان يتولّاه صهر إردوغان، برات البيرق، الذي اضطرّ ــــ بناءً على طلب الرئيس ــــ إلى الاستقالة من مهمّاته في وزارة للمالية والخزانة، وهو الذي كان قد تولّى سابقاً وزارة أخرى مهمّة مثل وزارة الطاقة. كذلك، أقال إردوغان حاكم المصرف المركزي، وعَيّن آخر بديلاً منه، كما عَيّن وزيراً جديداً للخزانة والمالية علّه ينجح في إنقاذ اقتصاد يتراجع في معظم مؤشّراته. إذ تشير الأرقام إلى أن الناتج القومي التركي تراجع من 852 مليار دولار في عام 2017، إلى 702 مليار دولار في العام الجاري. ويرى كثيرون أن منظومة الفساد تتحكّم بالاقتصاد وبحزب «العدالة والتنمية»، فالتضخم ارتفع كثيراً، فيما تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار ولامس، قبل فترة، عتبة التسع ليرات مقابل الدولار الواحد قبل أن يتراجع إلى ثمانٍ. ويقول إبراهيم طورخان، نائب رئيس حزب «المستقبل» المعارض، إنه لو أُدير الاقتصاد في السنوات الثلاث الأخيرة بصورة سليمة، لكان الناتج القومي ازداد 306 مليارات دولار، التي تعتبر تلقائياً خسارة، فيما يذكّر رئيس الحزب، أحمد داود أوغلو، بأن الدولار كان في عام 2016، عندما أطيح به من رئاسة الحكومة، يساوي ثلاث ليرات تركية.
وكما في كل مرّة، يلجأ إردوغان إلى حليفته قطر لإنقاذه من أزماته المالية، تارة عبر ضخّ مبالغ عالية في السوق التركية على شكل ودائع أو استثمارات، كما حصل في عام 2018 عندما ضخّت مبلغ 15 مليار دولار، وتارة أخرى عبر رفع حجم «السواب» بين المصرف المركزي في كلا البلدين إلى 15 مليار دولار، وهو ما حصل في العام الحالي. لكن الخطوة النوعية الجديدة تمثّلت في بيع حصص في الدولة التركية إلى قطر، وآخرها بيعها 10% من حصّة الدولة في بورصة إسطنبول، علماً بأن الدولة التركية كانت تعلن مراراً أنها ستفتح أمام الشعب الفرصة لكي يشتري حصصاً في البورصة من دون أن يتحقّق ذلك حتى الآن. كذلك، فإن مساحات واسعة من الأراضي على جانبَي قناة إسطنبول المزمع شقّها بين بحرَي مرمرة والأسود بيعت مسبقاً لرجال أعمال قطريين.
لم يُعرف المبلغ الذي دفعته قطر في مقابل حصة الـ 10% في بورصة إسطنبول، مع التذكير بأن بنك الإعمار والتنمية الأوروبي كان قد اشترى، في عام 2015، حصة 10% من البورصة، قبل أن يتراجع ويبيعها في عام 2019 بعد ظهور فضيحة «بنك خلق» وتولّي حاقان آتيلا إدارة البورصة.
وجاء أكبر رد على شراء قطر حصة في بورصة إسطنبول، على لسان الناطق باسم حزب «الشعب الجمهوري»، فائق أوزتراك، الذي ذكّر بأن بلاده باعت الدوحة، قبلاً، معمل صناعة دبابات في صقاريا، معتبراً أن تركيا تحوّلت إلى سند ملكية بيد قطر. وتقدّر الصحافة التركية مجموع الأراضي التي اشترتها قطر بما يعادل ثلاثة أضعاف مساحتها. وخلال زيارة أميرها، تميم، لتركيا، الخميس الماضي، جرى توقيع عشر اتفاقيات بين البلدين بقيمة 300 مليون دولار في مجالات الطاقة والدفاع والسياحة والتجارة وغيرها.
من الآن وحتّى الانتخابات الرئاسية في 2023، ثلاث سنوات يمكن أن تتبدّل في خلالها المعطيات رأساً على عقب. لكن ليس أفضل من التعبير عن الحالة المتراجعة لحزب «العدالة والتنمية» من اجتماع عن بعد لإردوغان مع مؤتمر لحزيه، حيث كان يتحدّث، وفجأة توقّف ليقول: «ما بالكم؟ لا أرى حماسة ولا تصفيقاً؟ كنتم تصفّقون على الدوام». حينها بادر المجتمعون إلى التصفيق … تدريجياً.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)