| محمد نور الدين
عاد السجال بشأن اللاجئين السوريين ليحتلّ صدارة المشهد السياسي في تركيا، في ظلّ تصاعُد حدّة الاتّهامات للرئيس رجب طيب إردوغان بأنه يعمل على تجنيسهم من أجل الاستفادة منهم انتخابياً. وممّا سعّر هذا السجال أخيراً، تصريحات صادمة لرئيس بلدية هاتاي، ذكر فيها أن السوريين باتوا يشكّلون غالبيةً في المحافظة، مؤكداً أنه «من ناحية ديموغرافية، هذا ليس لمصلحتنا ولا يسرّ أحداً»
عادت مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا لتطفو على سطح السجالات السياسية اليومية، حيث تمثّلت شرارتها الجديدة في تصريحات للرئيس رجب طيب إردوغان، في احتفال في القصر الرئاسي قبل أيام، حيث قال: «بالأمس، جاءنا لاجئون من أفغانستان والعراق وسوريا. واليوم يأتون من أوكرانيا. وسنستمرّ في أن نكون ملاذاً للمظلومين. المعارضة تقول إنها في حال ربحت الانتخابات ستعيد اللاجئين إلى بلادهم، أمّا نحن فلن نرسلهم». واستدعت هذه التصريحات انتقادات كثيرة؛ إذ علّق عليها زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدار أوغلو، بالتوجّه إلى إردوغان بالقول: «هل ستُعطي اللاجئين الجنسية ليحموا منصبك؟»، مشيراً إلى أن الرئيس «كان يقول إنّه سيرسل اللاجئين إلى بلادهم، في حال توفُّر السلام هناك، حتى لو كان الحلّ إقامة مخيّمات لهم داخل سوريا. فبماذا يرتبط الآن تغيير الخطاب عنده؟»، مضيفاً «أنّني أشتبه في أن إردوغان يُخفي حسابات انتخابية. إردوغان ينتظر المدد من السوريين والأفغان، وليس من شعبه. بهذا المفهوم، لا يمكن إدارة تركيا. وإذا كان إردوغان يريد إعطاء الجنسية للاجئين، فلْنذهب إلى استفتاء حول ذلك، ولنرَ ماذا يريد الشعب». ويعتقد أوغلو أن ثمّة ثلاثة أسباب لاعتبار موقف إردوغان في إبقاء اللاجئين خاطئاً: الأوّل، أنه يفتح الباب أمام الحساسيات، ولا سيما الثقافية الاجتماعية؛ والثاني، أنه سيكون هناك صراع شرس مع اللاجئين على لقمة الخبز؛ أمّا الثالث، فهو أن الرئيس لا يريد إقامة سلام في سوريا. ومن هنا، شدّد على أن الاستفتاء ضروري، لأن «اللاجئين بدأوا يشكّلون غيتوات، خصوصاً في المدن الكبرى».
وفي هذا الإطار، أشار الكاتب محمد يلماز إلى أن «16 محافظة تركية (من أصل 81)، منها ثلاث بلديات كبرى، منعت دخول السوريين إليها، كما أن مدناً مثل ميليس وإنطاكيا، تجاوزت مسألة تشكيل غيتوات منعزلة، لأن غالبية سكّانها أصبحوا من اللاجئين». واعتبر يلماز أن «السلطة في تركيا اتّبعت نهجاً خاطئاً بتسعير الحرب الأهلية في سوريا، ظنّاً منها أنّها بذلك تساعد على إسقاط النظام هناك»، مستدركاً بأن «سياسة احتضان الأنصار للمهاجرين، أو إعادة السوريين إلى بلادهم بالطبل والزمر، لا توفّر حلّاً لمشكلة اللاجئين». لكن رئيس كتلة «حزب الشعب الجمهوري» في البرلمان، أوزغور أوزيل، وعد الأتراك بأن «المعارضة، إذا ربحت السلطة، ستنهي الحرب في سوريا، وتعيد اللاجئين إلى بلادهم، ليس بالقوّة بل بالزمر والطبل»، لافتاً إلى أن إردوغان «قال في عام 2018، إنه سيرسل اللاجئين السوريين إلى بلادهم، واليوم يقول إنه لن يرسلهم»، متسائلاً: «أيّ الخطابين نصدّق؟». في هذه الأثناء، أجرت شركة «متروبول» استطلاعاً للرأي حول موقف إردوغان الجديد، وجاء في نتائجه أن 82% من مجمل الناخبين، و85% من ناخبي «حزب العدالة والتنمية»، يريدون عودة اللاجئين إلى ديارهم. وقال رئيس الشركة، أوزير سنجر، إن «موقف إردوغان قد يكون يستهدف العالم الغربي، وليس السياسة الداخلية»، معتبراً أنه «ربّما يريد المزيد من التصالُح مع الغرب». وفي استطلاع سابق لـ«مؤسّسة الديموقراطية الاجتماعية في تركيا»، ظهر أن 81% من ناخبي «العدالة والتنمية» يرون أن سياسة السلطة الحالية تجاه اللاجئين خاطئة، وأن على الأخيرين العودة إلى بلادهم.
وفقاً للأرقام الرسمية، فإن عدد اللاجئين في تركيا خمسة ملايين، منهم ثلاثة ملايين و750 ألف لاجئ سوري
وفي السياق نفسه، أثارت تصريحات رئيس بلدية هاتاي الكبرى (الإسكندرون)، لطفي صاواش، والتي قال فيها إن «المحافظة تَخرج من أيدي الأتراك، لأن ثلاثة من كلّ أربعة أطفال يولدون، هم من السوريين»، ردود فعل متعدّدة، وألقت الضوء على أبعاد أخرى لهذه القضية. وقال صاواش إن «عدد سكان هاتاي هو مليون و670 ألفاً»، مضيفاً أنه «وفق الأرقام الرسمية، هناك نصف مليون لاجئ سوري، بينما تشير الأرقام غير الرسمية إلى 800 ألف، أي أن شخصاً من كلّ اثنين هو سوري. كما أن نسبة الولادات في هاتاي من قِبَل السوريات، هي 75% من مجموع الولادات». وبناءً عليه، استنتج بأن «ثلاثة أرباع الولادات هي لسوريين»، معتبراً أن «هذا يخرّب الجينات من ناحية نفسية». وأضاف أن «كلّ امرأة سورية أنجبت، خلال ستّة أعوام، ستّة أطفال»، متابعاً أن «معظم السوريين لهم أربع زوجات وينجبون». وأكد أنه «من ناحية ديموغرافية، هذا ليس لمصلحتنا ولا يسرّ أحداً»، منبّهاً إلى أنه «إذا استمرّ الوضع هكذا، فإن السوريين إذا ترشّحوا لرئاسة البلديات، سيربحون». وفي الإطار نفسه، أشار صاواش إلى أن «ناخباً من كلّ أربعة في منطقة يايلاداغ في هاتاي، هو من السوريين». وخلص إلى أنه «إذا لم نحسب أصوات السوريين، يربح حزب الوحدة الكبير، وإذا حسبناها يربح حزب العدالة والتنمية». وحذّر من أن «الوضع في ريحانلي أسوأ، حيث كلّ صوت سوري يُحدث فرقاً بنسبة مئة في المئة»، قائلاً: «نحن لا نريد أن نكون غرباء في وطننا. هذه مسألة وطنية. إذا ذهبت هاتاي ذهب كلّ شيء». ورأى صاواش أن «إعطاء الجنسية للسوريين، وحقّ الترشّح والانتخاب، خطأٌ كبير»، متوقّعاً أنه «بعد 12 سنة، سيُصبح رئيس بلدية هاتاي سوريّاً». كذلك، لفت إلى أنه «بالرغم من أنّه لا يحقّ للسوريين شراء الأراضي بمفردهم، هم يشترونها بالشراكة مع أتراك».
وردّت وزارة الداخلية التركية بحدّة على تصريحات صاواش، واصفةً إيّاها بـ«الأكاذيب» التي تُخالفها الأرقام الرسمية. وقال نائب وزير الداخلية، إسماعيل تشاتاكلي، إن «واحداً من كلّ أربعة أطفال يولدون في هاتاي، هو من السوريين، كما أن نسبة الولادات بين السوريين، هي 8% من مجموع الولادات على مستوى تركيا». ورأى تشاتاكلي أن «كلام صاواش يدخل في باب التحريض والعنصرية والذهنية الفاشية»، مُعلِناً أنّه سيدّعي أمام القضاء عليه. ويُذكّر هذا السجال بسجال سابق كان رئيس بلدية بولو تانجو أوزكان، التابع لـ«حزب الشعب الجمهوري»، قد أطلق شرارته، قبل حوالى ثلاثة أشهر، حين قال إنه لو كان لاجئاً سوريّاً لكان ممتنّاً جدّاً لإردوغان. وأشار إلى أن «كلّ عائلة سوريّة تحصل على مساعدات من الدولة، ومن الهلال الأحمر، ومن أكثر من ثلاث أو أربع جهات أخرى». وانتقد أوزكان اللجوء السوري، مؤكداً أنه «لم يَعُد هناك خبزٌ لنتقاسمه مع اللاجئين». وكرّر أوزكان كلامه، قبل حوالى شهر، الأمر الذي استدعى تقديم شكوى ضدّه من قِبَل «جمعية حماية حقوق اللاجئين»، بتهمة اعتماد خطاب كراهية ضدّهم.
ووفقاً للأرقام الرسمية، فإن عدد اللاجئين في تركيا خمسة ملايين، منهم ثلاثة ملايين و750 ألف لاجئ سوري. لكن العديد من الباحثين يعتقدون أن العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، موضحين أنه يعادل نسبة عشرة في المئة من مجموع سكّان تركيا، البالغ 84 مليوناً. ويدافع نائب رئيس «حزب العدالة والتنمية»، محمد أوزحاسكي، عن اللاجئين، مؤكّداً أنه «بفضلهم، تقف الصناعة في بعض المدن على قدمَيها». ويقول: «اذهبوا إلى غازي عينتاب، وانظروا كيف أن مئات الآلاف من اللاجئين يعملون في أصعب المهن وأقساها. كذلك الأمر في قطاع الزراعة، حيث يعملون بأجور أقلّ من الحدّ الأدنى، وبلا شروط. وهذا أمرٌ يعرفه الجميع».
(سيرياهوم نيوز3-الاخبار22-3-2022)