شهدت علاقات أنقرة مع قيادات العمال الكردستاني تطوّرات إيجابية مثيرة انعكست على علاقاتها مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الذراع السوري للعمال الكردستاني.
مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية نهاية الشهر الجاري زاد الحديث عن احتمالات المصالحة بين الرئيس إردوغان والكرد، المقصود بهم حزب العمال الكردستاني وجناحه السياسي حزب الشعوب الديمقراطي والمساواة، والذي حلّ محل حزب الشعوب الديمقراطي الذي قام بتغيير اسمه قبل انتخابات أيار/مايو الماضي.
وتبنّى إردوغان قبل تلك الانتخابات حملة إعلامية عنيفة مدعومة بصور وفيديوهات مفبركة تتهم زعيم حزب الشعب الجمهوري السابق كمال كليجدار أوغلو بالعلاقة مع حزب العمال الكردستاني، وهو ما كان كافياً لمنع ما لا يقلّ عن 5% من الناخبين من التصويت لكمال كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، التي فاز بها إردوغان بنسبة 52% بعد أن فشل آنذاك في مساعيه لكسب أصوات الناخبين الكرد، وهم قرابة 10% من مجموع أصوات الناخبين في عموم البلاد.
وجاءت تصريحات ليلى زانا وهي من أهم قيادات الحركة الكردية لتطرح العديد من التساؤلات في الأوساط السياسية والإعلامية، حيث أكدت في كلمتها في حفل النوروز يوم الخميس 21 آذار/مارس في مدينة ديار بكرٍ جنوب شرق البلاد، وبحضور ما لا يقل عن مئة ألف من أتباع وأنصار العمال الكردستاني “ضرورة العودة إلى مسار الحل السلمي للمشكلة الكردية”.
واعتبر الكثيرون هذا الكلام مؤشّراً مهماً على احتمالات المصالحة بين إردوغان والعمال الكردستاني الذي يتزعّمه عبد الله أوج آلان الموجود في السجن منذ شباط/فبراير 1999، حيث قامت المخابرات الأميركية والإسرائيلية باختطافه من العاصمة الكينية نيروبي وسلّمته لأنقرة.
وذكّرت الأوساط السياسية والإعلامية بمسار السلام الذي بدأ في صيف 2010 بين أنقرة وعبد الله أوج آلان وقيادات العمال الكردستاني الموجودة شمال العراق، وأشارت إلى تعثّر هذا المسار لأسباب عديدة، تارة بسبب موقف أنقرة القومي المتعنّت، وتارة أخرى بسبب تأثّر قيادات الكردستاني بالمعطيات الإقليمية والدولية.
فقد شهدت علاقات أنقرة مع قيادات العمال الكردستاني تطوّرات إيجابية مثيرة انعكست على علاقاتها مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الذراع السوري للعمال الكردستاني.
واستضافت أنقرة للفترة 2012-2015 زعيم الديمقراطي الكردستاني صالح مسلم عدة مرات، ووعدته بتلبية كلّ شروطه ومطالبه بعد تغيير النظام في دمشق مقابل أن يتمرّد الكرد ضد الدولة السورية. وهو ما رفضه مسلم ورفاقه بعد أن اقتنعوا أو هكذا قيل لهم إنّ الأميركيين قادمون إلى المنطقة، وهو ما تحقّق فعلاً في خريف 2014 خلال أحداث عين العرب/ كوباني المعروفة.
وخيّم الفتور ولاحقاً التوتر على علاقات أنقرة مع العمال الكردستاني وجناحه السياسي في تركيا، حزب الشعوب الديمقراطي، بعد أن بدأت واشنطن ومعها العديد من العواصم الغربية بتقديم كلّ أنواع الدعم السياسي والعسكري والمادي لوحدات حماية الشعب الكردية في شرق الفرات أي جنوب تركيا.
ودفع ذلك أنقرة لمزيد من التحالف الاستراتيجي مع حكّام أربيل من عائلة البرزاني، وكانوا دائماً إلى جانب تركيا في حربها ضد الكردستاني، مقابل دعم أنقرة لأربيل في حربها ضد السليمانية التي يحكمها الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة عائلة الرئيس الراحل جلال الطلباني، الذي يطلق المسؤولون الأتراك منذ فترة تهديداتهم لهم بحجة دعمهم للعمال الكردستاني التركي، وفي الحقيقة لتحالفهم مع إيران.
كل هذه المعطيات وحسابات إردوغان لما بعد الانتخابات، وتصريحات ليلى زانا تكتسب أهمية إضافية لأنها تصادف العمليات العسكرية التركية شمال العراق، ويقال إنها بموافقة بغداد وربما طهران أيضاً، مع المعلومات التي تتحدّث عن ضوء أخضر أميركي لهذه العمليات التي بدأت بعد أسبوع من عودة وزير الخارجية هاكان فيدان ورئيس المخابرات إبراهيم كالين من واشنطن وتوجّههما فوراً إلى بغداد.
وسط المعلومات التي تتحدّث عن وساطة أميركية بين أنقرة ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، وهو ما سينعكس إيجابياً على حواره المستقبلي مع قيادات العمال الكردستاني في شمال العراق وداخل تركيا.
في الوقت الذي تتحدّث فيه المعلومات عن اتفاق مبدئي بين إردوغان والقيادات لإطلاق مبادرات جديدة من أجل الحلّ السياسي والديمقراطي للمشكلة الكردية في تركيا، ولاحقاً في سوريا وتحت المظلة التركية، وهو ما سعى من أجله الرئيس التركي الراحل عندما خطط لاجتياح شمال العراق بعد هزيمة بغداد في حرب الكويت عام 1992.
وجاء قرار القيادات الكردية بالمشاركة في الانتخابات البلدية نهاية الشهر الجاري بمرشحين كرد لتؤكّد صحة هذه المعلومات باعتبار أن هذا القرار يعني في الوقت نفسه أنّ الكرد خاصة في إسطنبول والولايات الرئيسية التي يفوز فيها الشعب الجمهوري لن يصوّتوا لمرشّحي هذا الحزب، وهو ما سيستفيد منه مرشّحو حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس إردوغان.
وقيل إنه وعد القيادات الكردية بعدم إقالة مرشّحي حزب الشعوب الديمقراطي والمساواة من مناصبهم في حال فوزهم برئاسة البلديات في 10 مدن جنوب شرق البلاد حيث يعيش الكرد. وتقوم وزارة الداخلية في كلّ مرّة بإقالتهم من مناصبهم ووضعهم في السجون بتهمة الإرهاب، أيّ العلاقة مع حزب العمال الكردستاني.
والأهم من كل ذلك هو أن يتم إخلاء سبيل كل القيادات والكوادر الكردية الموجودة في السجون وأهمها الزعيمان المشتركان السابقان لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش وفيكان يوكساكداغ. على أن تبحث أنقرة لاحقاً إيجاد صيغة ما لمعالجة وضع زعيم العمال الكردستاني عبد الله الله أوج آلان، وربما إخراجه من السجن ووضعه تحت الإقامة الجبرية في مكان ما.
وفي جميع الحالات وأياً كان الموقف المحتمل للرئيس إردوغان والتزامه بتعهداته للقيادات الكردية، فقد بات واضحاً أن القرار الأميركي المحتمل والخاص بترتيب الوضع السوري بموافقة الأنظمة العربية والرئيس إردوغان سيؤدي دوراً مهماً، ليس فقط في قرارات إردوغان بل في قرارات القيادات الكردية في تركيا وشمالي سوريا والعراق، وبالتنسيق مع أربيل الوسيط المحتمل بين كرد تركيا وذراعهم السوري، وبين أنقرة التي يبدو أنها تستعد لمواجهة التطورات المحتملة في المنطقة قبل أو بعد إغلاق ملف غزة، وهو ما تسعى من أجله الأنظمة العربية وفق التصوّر الأميركي – الإسرائيلي.
كما يخطّط إردوغان لأن تكون لتركيا الجارة لسوريا والعراق وإيران حصة الأسد في الخارطة الجديدة للمنطقة بعد الاتفاق مع واشنطن على ملامح هذه الخارطة، وشريطة الابتعاد عن موسكو بل وربما خلق المشاكل لها بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.
وتتحدّث المعلومات عن ضغوط أميركية لإقناع أو إجبار إردوغان على المشاركة في العقوبات الغربية ضد روسيا، بل حتى مواجهتها بشكل مباشر أو غير مباشر في جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز الإسلامية ذات الأصل التركي.
ويبقى الرهان على مفاجآت المرحلة المقبلة ويبدو أنها ستكون أكثر وضوحاً، أولاً بعد الانتخابات البلدية نهاية الشهر الجاري، ومن ثم لقاء إردوغان مع الرئيس بايدن خلال القمة الأطلسية في واشنطن في تموز/يوليو المقبل.
ويراقب الرئيس بوتين كلّ هذه التطورات عن كثب لما لهذه القمة وقراراتها من انعكاسات مهمة ليس فقط على مستقبل الأزمة الأوكرانية، بل على كل الساحات والمجالات التي تهم روسيا وفي مقدّمتها سوريا.
وثبت منذ بدايات “الربيع العربي” أنها قفل ومفتاح كلّ المعادلات الصعبة والمعقّدة في المنطقة، وفي مقدّمتها المشكلة الكردية. ويهدف إردوغان مرة أخرى لحلّها وفق معاييره ومزاجه، وربما هذه المرة بالتطابق مع المعايير والمزاج الأميركي، طالما أنّ الكرد كانوا وما زالوا ورقة تهب وفق رياح الآخرين!
سيرياهوم نيوز1-الميادين