إشارات هامة تحملها تلاوة الحاخام اليهودي الدعاء المخصّص للسّلطان عبدالحميد أمام إردوغان.
- لم ينسَ الإعلام التركي التذكير بمساعي الجالية اليهودية في تركيا، وقبلها في الدولة العثمانية، لكسب الأتراك إلى جانبها، ولاحقاً إلى جانب “إسرائيل”.
فاجأ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الرأي العام الداخلي والخارجي باستقباله (الأربعاء) مجموعة من الحاخامات، ليتحدَّث معهم عن “أهمية العلاقات التركية الإسرائيلية من أجل أمن المنطقة واستقرارها”، بعد أن “أثنى على اتصالاته الهاتفية المتكررة مع الرئيس إسحاق هرتسوغ ورئيس الوزراء بينيت”، وناشد الحاخامات “المساهمة الفعالة في الحوار التركي الإسرائيلي”، الذي يريد له أن يحقّق المصالحة النهائية مع “تل أبيب” بأسرع ما يمكن.
المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية قال “إنَّ الوفد الذي استقبله إردوغان كان يضمّ القيادات الاجتماعية والدينية للجالية اليهودية في تركيا (وقوامها حوالى 20 ألفاً)، إضافةً إلى رئيس وأمين عام ما يُسمى “تحالف حاخامات الدول الإسلامية”(Alliance of Rabbis in Islamic States – ARIS) ، والعديد من حاخامات أوزبكستان وألبانيا وكوسوفو وأذربيجان وقرغيزيا وكازاخستان وروسيا (الحاخام الأكبر بيرل لازار، ويقال إنه مقرَّب جداً من بوتين) وأوغندا ومصر والإمارات وقبرص التركية وحاخام يهود إيران المقيمين في نيويورك.
الرئيس إردوغان، بحسب بيان المكتب الإعلامي للرئاسة، “حيا الحاخامات، وذكّرهم باحتضان الدولة العثمانية دائماً لليهود منذ أن فتح محمد الفاتح إسطنبول، وعندما طردوا من إسبانيا بعد سقوط دولة الأندلس في العام 1492، وعندما هربوا من ظلم هتلر”، واعتبر “معاداة السامية جريمة إنسانية”، وذكّر “بدور أنقرة في إحياء ذكرى المحرقة النازية ضد اليهود عالمياً”.
وعن علاقات أنقرة بـ”تل أبيب”، قال إردوغان “إنَّ انتقاداته السابقة للحكومة الإسرائيلية كانت بهدف تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في الشرق الأوسط”، مضيفاً: “إنني، وفي هذا الإطار، أولي حواري مع الرئيس هرتسوغ ورئيس الوزراء بينيت أهمية بالغة، لأنَّ التعاون التركي الإسرائيلي ضروري ومهمّ جداً من أجل الأمن والاستقرار في منطقتنا. وأرى دعمكم للحوار التركي الإسرائيلي مهماً جداً، لأن الحوار واللقاءات المشتركة تخدم مصالح الطرفين، كما هو عليه الوضع في علاقاتنا التجارية والسياسية، وهي رائعة”.
بيان المكتب الإعلاميّ للرئاسة لم يتطرَّق إلى المزيد من التفاصيل حول المواضيع التي تمت مناقشتها أو مجريات اللقاء، وهو ما تطرّقت إليه قيادات الجالية اليهودية في تركيا، التي أدّت الدّور الرئيسيّ في تأسيس ما يُسمى “اتحاد حاخامات الدول الإسلامية”، الذي عقد اجتماعه الأول بحضور الرئيس إردوغان، فقد نشر العديد من قيادات هذه الجالية في حساباتهم في شبكات التواصل الاجتماعيّ صور اللقاء مع الرئيس إردوغان والأدعية التي تلاها أحد الحاخامات أمام إردوغان، وتتضمّن “شكر اليهود للأتراك الذين حموهم بعد طردهم من إسبانيا”.
كما قام الحاخام، “بتقديس تركيا وإردوغان”، وتمنّى له “الصحة وطول العمر”، وشكره لرعايته مثل هذا الاجتماع، وهو الأول من نوعه في العالم. وأهداه الحاخام الأكبر في تركيا شمعدان اليهود المقدس، وهو ما لم يتطرَّق إليه بيان الرئاسة، كما لم يتطرق إلى موضوع الدعاء والتقديس، ربما خوفاً من انتقادات المعارضة، الإسلامية منها وغير الإسلامية، إذ تعرَّض إردوغان سابقاً لهجوم عنيف منها عندما منحته منظمات اللوبي اليهودي في أميركا وسام الشجاعة السياسية في العام 2004، ووساماً آخر في العام 2005، بعد أن زار القدس، والتقى شارون، وهو ما أغضب الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، الذي شنّ هجوماً عنيفاً عليه وعلى حزب “العدالة والتنمية”، وقال عنه “إنه يخدم الأجندة الصهيونية”.
البعض اعتبر لقاء إردوغان حاخامات اليهود نوعاً من التودّد إلى “إسرائيل” ومنظمات اللوبي اليهودي في أميركا وأوروبا معاً، وهو ما فعله الرئيس الراحل تورغوت أوزال عندما أمر في آب/أغسطس 1992 بتأسيس “وقف الذكرى الخمسمئة” لإحياء ذكريات نقل اليهود من إسبانيا إلى أراضي الدولة العثمانية في العام 1492، وهو ما ساعده للحصول على الدعم الأميركي له في مجمل سياساته الداخلية والخارجية، بما في ذلك تبنّيه فكرة “أمة تركية واحدة من البحر الأدرياتيكي إلى حدود الصين”، وحيث الأقليات المسلمة في البلقان، إلى الجمهوريات الاسلامية في القوقاز وآسيا الوسطى، والتي نالت استقلالها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
كما حظيت مشاريع أوزال لنقل المياه التركية إلى “إسرائيل” (عبر سوريا والأردن) عبر “أنابيب السّلام”، بدعم من واشنطن ولوبياتها اليهودية، وهو ما اعترضت عليه دمشق آنذاك، عندما كانت خلافاتها مع أنقرة في موضوع الفرات في ذروتها.
ولم ينسَ الإعلام التركي التذكير بمساعي الجالية اليهودية في تركيا، وقبلها في الدولة العثمانية، لكسب الأتراك إلى جانبها، ولاحقاً إلى جانب “إسرائيل”. وكانت أنقرة أول دولة مسلمة تعترف بها بعد قيامها بعدة أشهر، فقد اختلق اليهود في العام 1892، أي في الذكرى الـ400 لهجرتهم من إسبانيا، دعاءً خاصاً يمجّد السلطان عبد الحميد، بهدف كسب وده، ليمنحهم المزيد من الامتيازات والتسهيلات للهجرة إلى فلسطين وشراء الأراضي فيها.
وتحمل تلاوة الحاخام اليهودي الدعاء المخصّص للسّلطان عبد الحميد أمام إردوغان في طياته إشارات مهمة تهدف إلى كسب ود الرئيس إردوغان الذي يتغنى بأمجاد عبد الحميد، وهناك الكثير من المغالطات التاريخية حول علاقته السلبية باليهود، وخصوصاً هرتزل.
في جميع الحالات، ومع استمرار الوساطات التي يبذلها الرئيس الأوكراني زالينسكي والأذربيجاني عالييف لتحقيق المصالحة بين إردوغان و”تل أبيب”، وهو ما يهدف إليه محمد بن زايد أيضاً، يدخل الحاخامات على الخطّ لاختصار المسافة بين الطرفين، وهذه المرة بالنصوص التوراتية والشعائر اليهودية.
ويعتبر حكّام “تل أبيب” هذه النّصوص وأساطيرها سلاحهم الأقوى لتهويد القدس وجعلها عاصمة أبدية وتاريخية ودينية ليهود العالم، وهم يرون فيها أساساً لمشاريعهم الصهيونية التي أقاموا بها “دولتهم العبرية” على أرض فلسطين، ويؤمنون بنصوصهم التي تتحدّث عن “دولتهم الكبرى” من النيل إلى الفرات ومنابعه في تركيا التي يريد لها إردوغان أن تكون صديقاً، ولاحقاً حليفاً لـ”إسرائيل”، وهو الَّذي قال عنها أكثر من مرة في الماضي البعيد والقريب “إنها دولة الإجرام والقتل والإرهاب”، وهو يعرف أنها ما زالت وستبقى هكذا إلى الأبد!
(سيرياهوم نيوز-الميادين ٢٥-١٢-٢٠٢١)