| هدى رزق
من يراقب عمل إردوغان الحثيث لتأمين مصالح تركيا عبر العلاقات التي ينسجها يصل إلى نتيجة مفادها أن الرجل يعمل لدنياه كأنه سيبقى رئيساً أبداً.
على الرغم من ضجيج المعركة الانتخابية في تركيا، استقر عدد المرشحين على 4 بعدما تمكن كل من زعيم حزب البلد محرم إينجة وعضو حزب النصر سنان أوغان من جمع أكثر من 100 ألف توقيع، بحسب قانون الترشح، لينضما إلى المرشحين الرئيسيين الرئيس رجب طيب إردوغان عن تحالف الشعب، وكمال كليجدار أوغلو عن تحالف الأمة. وسيكون لترشح إينجة وأوغان للرئاسة أثر في عدم حسم الانتخابات من الجولة الأولى وذهابها إلى الثانية.
تبلغ أصوات إينجة المتوقعة نحو 2% إلى 3%، فيما تبلغ أصوات أوغان 1% إلى 2%. وقد حدد موعد الانتهاء من قائمة المرشحين الرئاسيين ونشرها في الجريدة الرسمية في 31 آذار/مارس.
وكان فاتح أربكان، نجل الزعيم الراحل نجم الدين أربكان، قد أعلن تأييده لتحالف إردوغان قبل أيام. كذلك، انضم حزب الهدى، وهو حزب إسلامي كردي، إلى تحالف الشعب. هذه الأحزاب الصغيرة لا تحدث فرقاً مهماً، لكنها تؤكد أهمية ظهور التفاف حول التحالف الذي يضم حزب العدالة والتنمية والحركة القومية في وجه الطاولة السداسية التي تضم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، وزعيمة حزب الجيد مارال أكشنار، ورئيس حزب السعادة تمل كرم الله أوغلو مع قادة 3 أحزاب أخرى، هم رئيس حزب الديمقراطية والتقدم (ديفا) علي باباجان، ورئيس حزب المستقبل أحمد داوود أوغلو، وكلاهما منشقان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأخيراً رئيس الحزب الديمقراطي غول تكين أويصال.
أتى تأكيد ترشح محرم إينجة ليطرح مشكلة بالنسبة إلى تحالف الأمة، إذ بادر المرشح للرئاسة كمال كليجدار أوغلو إلى زيارته لعله يسحب ترشيحه، كما أوحى بعض المراقبين، إلا أن المحادثات لم تفضِ إلى نتيجة واضحة، بل أكد إينجة أنه يريد رحيل إردوغان عن سدة الرئاسة أيضاً، وأن موقفه ثابت في محاربة جماعة فتح الله غولن وحزب العمال الكردستاني.
يخشى تحالف الأمة تأثير ترشح إينجة الذي يتمتع بشعبية بين الشباب في الأصوات التي يمكن أن يحصل عليها كليجدار أوغلو، فيما يمكن للمرشح سنان أغان أن يؤثر في حزب الحركة القومية وزعيمه دولت بهشلي، وهو يعارض الانقسامات التي حدثت داخل الحزب، ويشعر بالنقمة على مآل القوميين، ويمكن أن تنضم أصوات من حزب الجيد غير المتوافقة مع قرارات أكشنار إليه. لم يعد ممكناً التأكد من اتجاهات التحليل إلا إذا تراجع أحد المرشحين لمصلحة المعارضة.
إردوغان يتصرف كأنه ثابت في السلطة
يبدو أن الرئيس التركي يقوم باستكمال المصالحات تحضيراً لما بعد الانتخابات وكأنه باقٍ في الحكم. صحيح أن الحكم استمرارية، لكن المراقب لحركة إردوغان السياسية في الشأن الخارجي يرى بوضوح أن صناعة السياسة الخارجية آخذة في التطور بعدما بدأت عام 2021، فاللقاء بين وزيري الخارجية المصرية سامح شكري والتركي مولود جاويش أوغلو فتح صفحة جديدة في العلاقات، وكان إيجابياً إلى درجة الحديث عن ترتيبات لعقد لقاء بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي ورجب طيب إردوغان بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ويمكن اعتبار اللقاء نقلة نوعية في العلاقات المصرية التركية، إلا أنها لم تصل إلى مرحلة التطبيع، فهناك حاجة تركية إلى الاتفاق مع الجانب المصري في ما يتعلق بموضوع الغاز والتنقيب في شرق المتوسط، وهي النقطة الأساسية بالنسبة إلى أنقرة، وحل الخلافات التركية مع قبرص واليونان، فمصر لن تتراجع عن الاتفاقية الموقعة مع اليونان، لكن فتح الباب أمام أنقرة للانضمام إلى منتدى شرق المتوسط بعد تسوية خلافاتها قد يأخذ وقتاً من أجل التوصل إلى اتفاقية بشأن الحدود البحرية بين البلدين عندما يتم حل الأزمة الليبية.
أهم نقطة بالنسبة إلى تركيا حالياً هي التوجه نحو سياسة تصالحية مع الجميع، تتمثل بإبرام تفاهمات مع مصر في ملفي ترسيم الحدود البحرية والغاز والانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط. أما القاهرة، فهي ترهن التفاهم في هذه المسألة بمعالجة الخلافات بينهما في ليبيا.
في ظل هذه المعطيات، بدأت العلاقة بين تركيا واليونان بالتحسن في ضوء المساعدات التي تلقتها تركيا من اليونان بعد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا في 6 فبراير/شباط.
وكان التغيير لافتاً في العلاقة بين البلدين، إذ تحولت المياه الإقليمية، قلب نزاعات البلدين منذ عقود، إلى قنوات للتعبير عن التضامن، وأعرب رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، عن اعتقاده بأنها ستؤدي إلى تحسن في العلاقات الثنائية.
في الأفق، ثمة ترتيبات قائمة وفعالة جزئياً في جزيرة قبرص يمكنها أن تؤدي إلى حلحلة المشكلات بين الأتراك واليونانيين، والعمل على إبعاد الاحتكاكات العسكرية والخلافات الحدودية إلى أن يتم التوصل إلى حلول قانونية لمسألة الحدود البحرية، إذ تشترط تركيا عدم تسليح جزر بحر إيجه.
وكانت السلطات التركية قد فتحت معبر “علي جان” الحدودي مع أرمينيا بعد 35 عاماً من إغلاقه، لإيصال المساعدات الأرمينية إلى المناطق المتضررة من الزلزال. وقد قدمت أرمينيا مساعدات غذائية، وقام مسعفون بأدوار مهمة، وقال وزير الخارجية الأرميني إن أرمينيا تسعى للتطبيع مع تركيا.
التطبيع في منطقة جنوب القوقاز يمكن أن يؤسس لسلام دائم. لدى موسكو مصلحة في تهدئة النزاع الأذربيجاني الأرميني، ولا سيما أن أرمينيا في مأزق اقتصادي، وتحتاج إلى الدعم العسكري والطاقة الروسية، ولا يفيدها الذهاب إلى الغرب، لأن أوروبا تحتاج إلى النفط والغاز الأذربيجاني. أما أميركا و”إسرائيل”، فهما تحتاجان إلى باكو كقوة مناوئة لإيران.
تؤدي موسكو دور الوسيط بين القوى جميعها في ظل تطور علاقتها مع تركيا وحاجتها إليها كمنفذ في ظل الحصار الغربي عليها، كما أن روسيا تريد استمرار استمالة أذربيجان. يرتبط الأمر بممر زنجيزور بين منطقة ناختشيفان الأذربيجانية المعزولة عن بقية البلاد بالأراضي الأرمينية وبقية أذربيجان الحليفة لتركيا، والذي يوفر طريقاً لنقل البضائع والطاقة من أذربيجان ومنطقة آسيا الوسطى إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، فيما تتحفظ إيران وأرمينيا، وبصورة أقل روسيا، عن تنفيذه، وهو يخدم مصالح أوروبا.
وكان واضحاً في منتدى النقل الدولي التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الذي عقد في إسطنبول في 27 فبراير/شباط التركيز على دور أذربيجان في إمكانية الوصول المستدام إلى النقل بين أوروبا وآسيا.
ويعدّ الممر الأوسط الذي يمتد من أوروبا إلى كازاخستان وبحر قزوين وأذربيجان وجورجيا، ومن هناك عبر البحر الأسود إلى تركيا، بديلاً واعداً لدفع روابط التصدير والطاقة، وسيكون أحد أهم طرق النقل خلال الأعوام الخمسين المقبلة.
وجاء التعاون الذي يحمل مسمى “دولتين كدولة واحدة” بين تركيا وأذربيجان بدعم من منظمة الدول التركية. وسيمكّن هذا التعاون من إنشاء شبكة نقل وخدمات لوجستية واسعة النطاق تمتد من الصين إلى كل نقطة في أوروبا، ومن المهم ملاحظة أن هذه الشبكة لا تقتصر على ربط أوروبا وآسيا فقط، بل تربط القارتين المذكورتين بأفريقيا أيضاً. ومع تسارع وتيرة ظاهرة “أفريقيا الناشئة”، سيؤدي الممر الأوسط دوراً حيوياً في ربط آسيا وأفريقيا.
من يراقب عمل إردوغان الحثيث لتأمين مصالح تركيا عبر العلاقات التي ينسجها، يصل إلى نتيجة مفادها أن الرجل يعمل لدنياه كأنه سيبقى رئيساً أبداً.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين